الدعوة في عشيرته:
بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الدعوة العامة حسب التوجيه الرباني، ونزل القرآن الكريم بدعوة العشيرة بصفة خاصة: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء: 214). وهكذا جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع بني هاشم ذات يوم على الطعام، ووصل عددهم حوالي أربعين، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتمكن من مخاطبتهم نظرا لثرثرة أبي لهب، ولهذا دعاهم في الليلة التالية، فلما فرغوا من الطعام وشرب اللبن قال - صلى الله عليه وسلم -: "قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ولا أعلم أحدا في العرب جميعهم جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر؟ "
فسكت القوم كلهم، فقام علي رضي الله عنه وقال: أنا يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب: "فاسمعوا له وأطيعوا". فراح القوم يضحكون ويقولون بسخرية لأبي طالب: انظر قد أمرك محمد أن تسمع لابنك وتطيعه منذ اليوم [1].
موعظة جبل الصفا ودعوه أهل مكة:
صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما جبل الصفا وجعل ينادي الناس، فلما جمعوا قال - صلى الله عليه وسلم -: أخبروني أصادق أنا أم كاذب؟ فقال الجميع بصوت واحد: ما سمعنا منك كذبا قط، ونحن على يقين أنك صادق وأمين [2].
قال النبي: انظروا إني على قمة الجبل وأنتم في سفحه، وأنا أنظر ناحيتي الجبل، فلو قلت لكم إن جماعة مسلحة من قطاع الطرق تبدو من بعيد قادمة لتهجم على مكة فهل تصدقونني؟ قالوا: نعم، فليس عندنا ما يجعلنا نكذب صادقا مثلك لاسيما إذا كان واقفا على مثل هذا المكان العالي يشاهد ناحيتي الجبل.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا كله كان مثالا لكي تفهموا، فاعلموا أن الموت يتربص بكم، وأنتم حاضرون أمام الله، وإني أرى عالم الآخرة كما ترون الدنيا -.
وكان هدف النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الموعظة المؤثرة أن يقدم مثالا على النبوة، وكيف يمكن لإنسان أن يرى عالم الآخره بينما آلاف الأشخاص لا يمكنهم رؤيته. [1] أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر 1/ 117 بتصرف. [2] انظر الرؤيا 19/ 11 - 12 (رؤيا يوحنا).