وبديهي ألا يتصور أحد نجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقاءه، وهو في بلد ليس فيه حكومة ولا قانون ولا توجد هناك وسيلة للحفاظ على النفس أو المال، بين أهله الذين كانوا مضرب المثل في الضراوة منذ قرون، ثم زد على ذلك أنهم اختاروا من كل قبيلة فتى شابا جلدا وأعطوه سيفا صارما في مواجهة إنسان أعزل من كل سلاح، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج سالما من بينهم. هذا حادث ينبغي أن يفكر فيه كل منكر وجاحد ليتسنى له الاعتراف بالقدرة الإلهية، وعلى كل مسلم أن يشكر الله على الحماية الإلهية التي ينعم الله بها على عباده الصالحين.
وقد رأى الأعداء نجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصوله إلى المدينة، مذلة لهم فتأججت نار الحقد في قلوبهم، وآلوا على أنفسهم أن يقضوا عليه، وعلى من معه من المسلمين.
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عارفا بطبيعتهم الوحشية الضارية فرأى من الحيطة أن يقوم برصد تحركاتهم وإجهاض جهودهم الاستراتيجية واستعدادهم الحربي، ومضى على هذا فاتخذ احتياطاته اللازمة. ولكن ومع الأسف فإن كل محاولة قام بها المسلمون للدفاع عن أنفسهم أطلق عليها اسم الحرب دون معرفة أسباب الوقائع أو تفحص أهداف المسلمين وأعمالهم. وقد أدى ذلك ظن المسلمين السذج أيضا أن جميع التدابير التي اتخذها المسلمون إنما كانت للحرب.
ويجب أن نتذكر أن أقدم المؤرخين المسلمين أطلقوا على هذه التدابير والتحركات اسم الغزوات والسرايا. ومن سوء الفهم أن يحسبها البعض في هذا العصر مرادفة للحرب مع أن معناها في اللغة القصد والسير.
ويبدو أن المؤرخين المتقدمين رحمهم الله قسموا جميع تحركات المسلمين إلى قسمين.
(ألف) التحركات التي قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وأطلقوا عليها اسم الغزوة ويبلغ عدد الغزوات تسع عشرة غزوة كما روى الإمام البخاري من حديث زيد [1] بن أرقم رضي الله عنه.
(ب) التحركات التي قام بها أحد (أو أكثر من واحد) من المسلمين وأطلقوا عليها اسم السرية.
فيما يلي جدول لجميع الغزوات والسرايا. وقد راعينا في ذكر هذه الغزوات والسرايا الترتيب الزمني، وللرقم المسلسل في الجدول أهمية فإنا نحيل إلى هذا الرقم عند التعليق على كل غزوة. [1] صحيح البخاري في "المغازي" (5/ 2، 126، 145) وصحيح مسلم في "الجهاد والسير" (3/ 1447 رقم 1254).