القرآن الكريم
إذا أراد أحد من العلماء كتابة سيرة النبي المصطفى عليه أفصل الصلاة والسلام فمن الضروري له أن يتناول بالبحث علوم القرآن الكريم، إلا أن من يتناول السيرة العطرة بإيجاز، كما هو الحال في كتابنا هذا، فيلزمه أيضا أن يقدم نموذجا من تعاليم القرآن الكريم، مع ترك مباحث أسرار التنزيل وأحكامه وخصوصيات القرآن الكريم، ذلك لأن إغماض العين عن تقديم نموذج من تعاليم القرآن أثناء كتابة السيرة يجعل من كتاب السيرة النبوية كتابا ناقصا وقد سأل رجل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان خلقه القرآن الكريم.
إننا نؤمن بأن كل كلمة من كلمات القرآن هي من كلام رب العالمين، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي عرف أهل الدنيا بهذا الكلام الرباني.
نزل هذا الكلام المقدس على محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مدار ثلاث وعشرين سنة وجرى على الألسنة وتملك الأفئدة وسيطر على العقول في الدنيا كلها بنفس الألفاظ التي تلاها محمد رسول الله، وحفظ هذا الكلام المقدس داخل جميع طبقات المجتمع، يتلو من أجزائه مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء الدنيا في صلواتهم الخمس.
ومنذ أن نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو ينتشر وينتشر في الدنيا، ومنذ أن سمعته أم المؤمنين خديجة الكبرى وحدها يكثر عدد المؤمنين به لحظة بلحظة ويوما بعد يوم. ولم يستطع وقف تقدمه وانتشاره ظروف الزمان أو المكان ولا حتى العادات والتقاليد، ولا تعضيد المؤمنين به أو معارضة المنكرين له أو الظروف الصعبة على مر الأزمنة.
لقد ترجمت معانيه ترجمات خاطئة في مختلف البلاد وبمختلف اللغات، وكتبت الحواشي الخاطئة تعليقا على تعاليمه الواضحة الصادقة ولم تنجح الحيل في الحد من انتشاره بين الناس في جميع أنحاء العالم.
إنه لا يزال منيرا مضيئا باللغة التي نزل بها أولا، والعالم كله لا يزال مضيئا بنوره، بينما فقدت هذه الميزة جميع كتب العالم المقدسة الأخرى: التوراة، الزبور، الإنجيل