الباب الخامس
الخلق المحمدي
•---------------------------------•
توضح الأحداث التي ذكرت قبلا بجلاء المشكلات التي واجهت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلن نبوته وينشر تعاليمه ويحفظ أتباعه.
ولم يكن نشر الدعوة الإسلامية بالأمر السهل في بلد لم يعرف حكما ولا قانونا، بل كان سفك الدماء فيه والقتل أمرا عاديا، وكان أهله يشبهون السباع في الوحشية والهمجية بينما فاقوا في الجهل وعدم التعقل الأنعام، وهكذا كان تقديم الإسلام إليهم أمرا عجيبا وباعثا على اشتعال لهيب الخلاف بين جملة القبائل، كما أن انتشار هذه الدعوة وازدهارها وسط ظروف معارضة مئات الألوف من الناس الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم لسنوات طوال للقضاء عليها، ليس إلا دليلا واضحا على التأييد الرباني.
ووسط الأحداث السابقة يتلألأ بريق أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحامده ومآثره. كما يتلألأ التبر الخالص وسط الرمال، ويتضح من هذه الأحداث أيضا أن الذي قضى حياته بين حالتي الضعف والقوة، والاضطهاد والانتصار على وتيرة واحدة من البساطة والتواضع إنما هو فقط إنسان سيطر على قلبه الناموس الإلهي فطهره من علائق الدنيا، إن سنن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - المباركة تمثل أسوة حسنة، ونموذجا رائعا للفرد والجماعة في كل بلد وفي كل جماعة.
وانطلاقا من هذا أذكر هنا بإيجاز خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم - "علمني ربي فأحسن تأديبي".
وقد صارت عبارة "الخلق المحمدي" تشبيها جميلا لبيان أخلاق الصلحاء أهل التقوى والورع وعاداتهم وشمائلهم.
وأنا هنا لا أذكر كمالات النبوة وخصوصياتها بل أقصد ذكر الأحوال البسيطة التي يمكن أن يتمسك بها ويمضي على سنتها من حالفه الحظ من المسلمين {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
كان سيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يعرف القراءة والكتابة، ولم تتيسر له