أرسلوا من بينهم بعض الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعفونه من هذا الشرط الوارد في المعاهدة وطلبوا أن يستقدم عنده للمسلمين الجدد، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبى أن يخالف ما اتفق عليه في المعاهدة [1].
وهنا عرف المسلمون جميعا أن الشرط الذي عارضوه بشدة ثم وافقوا عليه مكرهين كان مفيدا وفي صالحهم.
ما هى العبرة في قصة أبي جندل:
يستطيع كل عاقل صاحب بصيرة أن يدرك من خلال قصة أبي جندل كيف انتشر الإسلام بالقوة الإلهية وكيف تمكن من قلوب الباحثين عن الحق فلم يمنعهم عن الإسلام الغربة والابتعاد عن الوطن، وفراق الأقارب والأحبة، والحبس والذل والجوع والعطش والخوف واليأس، والسيف والصلب، والخلاصة أن أي شيء في الدنيا وأي عاطفة من العواطف أو رغبة من الرغبات لم تتمكن من منعهم من الدخول في الإسلام.
الفائدة الحقيقية للصلح:
يقول الإمام الزهري عن المادة الأولى من المعاهدة أن الفائدة التي حصلت من التقاء [1] وكان هناك رجل آخر مثل أبي جندل يدعى "أبو بصير" أسلم وأتى المدينة فأرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليردوه فرده النبي إليهم، وفي الطريق قتل أبو بصير أحدهم خدعة، فعاد الآخر إلى النبي وأخبره بالأمر، ووصل أبو بصير خلفه، فقال النبي إن هذا العمل إفساد، فخرج أبو بصير خوفا وأخرجت قريش أبا جندل ومن معه من المؤمنين من مكة. ولما كان أبو جندل لم يتلق الإذن بالقدوم إلى المدينة، لهذا قبض على تل يقع في الطريق بين مكة والشام تمر به قوافل قريش، فكان يسلب هذه القوافل (لأن قريش كانت من المحاربين) وانضم إليه أبو بصير أيضا. ومرة مرت بهم قافلة أبي العاص (زوج زينب بنت رسول الله) قادمة من الشام وكان أبو جندل ومن معه يعرفون أبا العاص وأنه زوج زينب بنت رسول الله (إلا أنه فرق بينهما لأن أبا العاص لم يسلم) فنهب أبو جندل القافلة، ولم يقتل أحدا لأن فيها أبو العاص - فانطلق أبو العاص إلى المدينة وأبلغ النبي (بواسطة زينب) بما حدث، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الأمر فحكموا لصالح أبي العاص، وحين علم أبو جندل بهذا الحكم أعاد إلى أبي العاص كل ما أخذه من مال ومتاع حتى الحبال وأزمة البعير، عاد أبو العاص إلى مكة وسلم الناس أموالهم وأمتعتهم ثم نادى في الناس أن من له عليه شيء فليأخذه فقال الجميع "إنك أمين" عندئذ قال أبو العاص، أذهب لأعلن إسلامي إني كنت خشيت أن أسلم قبل ذلك فيقول الناس غصبت أموالهم ثم دعا النبي أبا جندل وأصحابه إلى المدينة حتى لا يسلبوا الناس قوافلهم ...