ربيع، فلما سمعت هذا اطمأن قلبي، فقد كانا رجلين صالحين ولي فيهما أسوة.
ثم أصدر رسول الله حكمه ونهى الناس عن التحدث معنا وعن مخالطتنا، وهكذا صارت لنا الدنيا وبالا، وبقي الاثنان هلال ومرارة لا يبرحان بيتهما فقد كانا عجوزين، ولكني كنت شابا وشجاعا، أخرج من البيت وأنصب إلى المسجد أصلي وأجلس في ركن من أركان المسجد. وكنت إذا أقبلت على صلاتي نظر إلي رسول الله وإذا التفت نحوه أعرض عني، ولم يكن أحد من المسلمين يكلمني أو يرد على سلامي، وخرجت يوما من المدينة وأنا في غاية الألم، فوصلت إلى بستان لابن عمي وحبيبي أبي قتادة كان يقيم عليه حائطا، فسلمت عليه، فلم يرد السلام ولم يلتفت حتى إلي، فقلت: يا أبا قتادة، أنت تعلم أني أحب الله ورسوله، وليس في قلبي ذرة من نفاق أو شرك فلماذا لا تكلمني؟ فسكت أبو قتادة ولم يرد، ولما ناشدته الحديث للمرة الثالثة ما زاد على أن قال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وانخرطت في البكاء، ورجعت إلى المدينة، فقابلني رجل نصراني، كان يبحث عني في المدينة، فأشار الناس إلي، فأعطاني الرجل كتابا من ملك غسان مكتوب فيه: سمعنا أن سيدك قد جفاك، وطردك من مجلسه، وجفاك جميع الناس أيضا، نحن نعرف قدرك ومنزلتك، لم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فألحق بنا بعد قراءة هذا الخطاب، فنحن نعرف كيف نكرمك ونعزك".
فقلت حين قرأت الكتاب، وهذا بلاء آخر، وأي بلاء أكبر من أن يطمع في وفي ديني رجل نصراني فيأتي يدعوني إلى الكفر، وزاد حزني وغمي ووضعت الرسالة في النار وقلت للرسول حامل الكتاب: اذهب وقل لمن أرسلك إن سخط صاحبي أحب إلي من رضاك.
وحين رجعت إلى البيت وجدت رسولا من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أتاني فقال لي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك؟ فسألته: أطلقها أم ماذا؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، فأرسلت زوجتي إلى أهلها، وعلمت أن هلال ومرارة أرسل إليهما بمثل ما أرسل إلي، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله، وقالت إن هلال بن أمية شيخ كبير لا خادم له أتأذن لي في أن أخدمه، فقال: نعم ولكن لا يقربنك فقالت: يا رسول الله، إن ما به من غم وحزن لا يجعلانه يفكر في شيء ..
فقال لي بعض الناس: ماذا لو استأذنت رسول الله لامرأتك، فقلت: أنا لا أجرؤ