اسم الکتاب : سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي المؤلف : ابن إسحاق، محمد الجزء : 1 صفحة : 88
مررت بأناس يقال لهم (النصارى) فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم، فجلست أنظر كيف يفعلون، فقال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت:
لا والله ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له، ونحن إنما نعبد ناراً نوقدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت، فخافني، فجعل في رجلي حديدا وحبسني في بيت عنده، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم: أين أهل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام، فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك أناس فآذنوني، فقالوا: نفعل، فقدم عليهم نامن من تجارهم، فبعثوا إلي: إنه قد قدم علينا تجار من تجارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني بهم، قالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم، وأرادوا الرحيل بعثوا إلي بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي، ولحقت بهم، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله فيها معك، وأتعلم منك الخير؟ قال:
فكن معي، فكنت معه، وكان رجل سوء، كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه، قلت لهم: إن هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين، فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج لكم كنزه، فقالوا: فهاته فاخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً [1] ، فلما راوا ذلك، قالوا: والله لا يدفن أبداً فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فلا والله يابن عباس ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أشد اجتهادا، ولا أزهد في الدنيا، ولا أدأب [1] اي فضة.
اسم الکتاب : سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي المؤلف : ابن إسحاق، محمد الجزء : 1 صفحة : 88