يوجه الله تعالى خطابه إلى البشر مذكرا إياهم بأنه هو الذي خلقهم وبثَّ فيهم الروح. ذلك السرُّ المعجز في بقائهم, وأنهم لا يملكون شيئا من ذلك. كما يذكِّرهم بالموت وأنه لا مفر لأحد منه. وفي هذا إثارةٌ للمشاعر حتى تتساءل: من أنا؟ ومن أين أتيت؟ ولماذا أتيت؟ وأين سأمضي؟ وما مصيري؟ هذه الأسئلة الكبرى التي يبحث لها كل إنسان عن جواب, قد أجاب عليها القران بقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) [الملك/1 - 3]،وبقوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) [الواقعة/83 - 87] ْ}.
ثانيا: مخاطبة العقل:
إن منهج الخطاب القرآني للبشرية ليس قائما على إثارة المشاعر ومخاطبة الوجدان فحسب, بل إنه مع ذلك يتوجه بالخطاب إلى العقلِ, فيحثه على التدبر والتأمل، ويثير فيه التساؤلات التي ترشد وجهته، ومن تلك التساؤلات: هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بلا خالق؟ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) [الطور/35 - 38]
منهج القرآن في أدلته العقلية:
تهدف الأدلة التي يأتي بها القرآن إلى تقرير وجود الله تعالى وتفرده بالخلق والملك والتدبير. وهو في ذلك يأتي بالبراهين البدهية السهلة التي يدركها العقل بدون خوض في الجدال العقيم الجاف. وعلة ذلك: حتى تكون هذه الأدلة متاحةً لجميع العقول بكل مستوياتها كما في قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (35) سورة الطور، وقوله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (17) سورة النحل