منهج المعرفة في أمور الاعتقاد (مصادر التلقي)
قدمنا فيما مضى أن مجالات المعرفة بالنسبة للإنسان تتمثل في عالم الشهادة - العلم الماديِّ- وعالم الغيب أو ما وراء الطبيعة.
وقد سبق أن معرفة الإنسان تكون بالحواس والأجهزة المخترعة عن طريق العقل الذي يقوم بتحليل المعارف التي يتلقاها للوصول إلى العلم.
أما ما يتعلق بما وراء المادة فإنه ليس مما يقع في حدود الحواس، فمن المنطقي ألا تكون تلك الحواسُ قادرةً على إدراك ما يقع في ذلك المجال،كما أن العقل- وهو يتمتع بقدرات محدودةٍ -مقيد بعاملي الزمان والمكان لا يستطيع أن يحيط علما بما هو خارج عن حدوده،فضلا عن أن يحيط بما لا حدَّ له.غير أن ذلك لا يعنى إلغاءَ دورِ العقل في معرفة عالم الغيب،فالمعرفة الإجماليةُ من أعظم واجبات العقل، حيث يستدل بالشهادة على علم الغيب، كما قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {164} [سورة البقرة].
أمَّا أن يخوضَ العقل فيما ليس من مجاله، فهذا مما لا يستقيمُ مع المنهج المعرفي الصحيح، حيث إن العلمَ بالشيء فرعٌ من تصورهِ، وما لا يستطيع العقل تصوُّرَه ُلا يسعه إدراكه بمجرده، لذا قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36} [الإسراء]،أي لا تتبع ما ليس لك به علم يثبت عندك بالرؤية البصرية، أو بالروايات السمعية أو البراهين القطعية، فإن الله يسألك عن ما أعطاك من آلات هذا العلم الثلاث.
وقال تعالى:: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {110} [طه]،وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [البقرة:255]،وقد نفى الإحاطة بالعلم هنا عن البشر لأنه ليس في مقدورهم بلوغ ذلك، فهو ليس واقعا في مجال معرفتهم المتعلقة بالأمور المادية كما قال تعالى: {