ولكنْ للأسف ليس حظُّ القرود في إخراج قصيدة المتنبي بأوفرَ من حظِّهِ هو في أن يكون مثل المتنبي. أليس كذلك؟
*-شواهد من الطبيعة:
1 - إن من طبيعة الإنسان أنه عندما يقع في مأزق- ولا يجد في القوى المادية معيناً ومنقذاً له- فإنه يلجأ إلى الله تعالى متضرعاً إليه بالدعاء حتى ينقذه مما هو فيه. قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا {67} الإسراء
2 - إن النفوس مجبولةٌ على حبِّ من يحسن إليها، لذلك تعظمه وتتقرب إليه، وهذه الفطرة ثابتة حتى في الحيوان. أما ترى أن الكلبَ يكون وفياً لصاحبه، حتى إنه يدافع عنه بنفسه ويموت دونه! لذلك فإنَّ الإنسان مفطورٌ على معرفة ربه الذي خلقه، وعلى عبادته لذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ {6} الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ {7} فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ {8} [سورة الانفطار].
*-دليل الفطرة
إن فطرةَ الإنسان تشهد بوجود الله تعالى- مهما حاول الإنسان إخفاءها- فكم من إنسان ينكر وجود الله تعالى، فإذا ضاقتْ به السبلُ المادية في الأزمات لم يجدْ إلا أن يتوجهَ بقلبهِ إلى السماء, وربما يرفع يديه في خضوع وتذللٍ لعله يجد من القوَّة العليا مخرجاً مما هو فيه من ضيق. ألم تجرب ذلك بنفسك؟ ربما حدث لك شيء منه فنسيت بعد زوال الكربة. ولكن لاشك أنك لازلت تذكر حكاية من هذا النوع حدثت لغيرك. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (22) سورة يونس، وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (65) سورة العنكبوت، وقال تعالى: {أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ