اسم الکتاب : الإيمان بالجن بين الحقيقة والتهويل المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 439
هذا مقتضى حال العبد، فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بجند آخر، وأمدّه بمدد آخر، يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان، فإذا أمره الشيطان بأمر، أمره الملك بأمر ربّه، وبين له ما في طاعة العدو من الهلاك، فهذا يلم به مرة، وهذا مرة، والمنصور من نصره الله عز وجل، والمحفوظ من حفظه الله تعالى.
وجعل الله له مقابل نفسه الأمارة نفساً مطمئنة، إذا أمرته النفس الأمارة بالسوء، نهته عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمارة عن الخير، أمرته به النفس المطمئنة، فهو يطيع هذه
مرة، وهذه مرة، وهو الغالب عليه منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهراً لا تقوم معه أبداً.
وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نوراً وبصيرة، وعقلاً يرده عن الذهاب مع الهوى، فكلما أراد أن يذهب مع الهوى، ناداه العقل والبصيرة والنور: الحذر الحذر، فإن المهالك والمتالف بين يديك، وأنت صيد الحرامية، وقطّاع الطريق، إن سرت خلف هذا الدليل.
فهو يطيع الناصح مرة، فيبين له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرة، فيقطع عليه الطريق، ويؤخذ ماله، وتسلب ثيابه، فيقول: ترى من أين أتيت؟
والعجب أنه يعلم من أين أُتي، ويعرف الطريق التي قطعت عليه، وأخذ فيها، ويأبى إلا سلوكها، لأنّ دليله تمكن منه، وتحكم فيه، وقوي عليه، ولو أضعفه بالمخالفة له، وزجره إذا دعاه، ومحاربته إذا أراد أخذه، لم يتمكن منه، ولكن هو مكنه من نفسه، وهو أعطاه يده.
فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه، فيباشره ثم يسومه سوء العذاب، فهو يستغيث فلا يغاث، فهكذا يستأسر للشيطان والهوى ولنفسه الأمارة، ثم يطلب الخلاص، فيعجز عنه.
فلما أن بُلي العبد بما بُلي به، أعين بالعساكر والعدد والحصون، وقيل: قاتل عدوك وجاهده، فهذه الجنود خذ منها ما شئت، وهذه الحصون تحصن بأي حصن شئت منها، ورابط إلى الموت، فالأمر قريب، ومدة المرابطة يسيرة جداً، فكأنك بالملك الأعظم
اسم الکتاب : الإيمان بالجن بين الحقيقة والتهويل المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 439