اسم الکتاب : التصوف - المنشأ والمصادر المؤلف : إحسان إلهي ظهير الجزء : 1 صفحة : 88
والخامس: أنهم تعزبوا وهم شباب وأكثرهم محتاج إلى النكاح.
والسادس: أنهم جعلوا لأنفسهم علما ينطق بأنهم زهاد فيوجب ذلك زيارتهم والتبرك بهم. وإن كان قصدهم غير صحيح فإنهم قد بنوا دكاكين للكوبة ومناخا للبطالة وأعلاما لإظهار الزهد.
وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كد المعاش متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا يتورعون من عطاء ماكس. وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة , ووقفوا عليها الأموال الخبيثة. وقد لبس عليهم إبليس أن ما يصل إليكم رزقكم فاسقطوا عن أنفسكم كلفة الورع. فهمتهم دوران المطبخ والطعام والماء البارد. فأين جوع بشر , وأين ورع سري , وأين جد الجنيد. وهؤلاء أكثر زمانهم ينقضي في التفكه بالحديث أو زيارة أبناء الدنيا , فإذا أفلح أحدهم أدخل رأسه في زرمانقته فغلبت عليه السوداء , فيقول: حدثنا قلبي عن ربي. ولقد بلغني أن رجلا قرأ القرآن في رباط فمنعوه , وأن قوما قرأوا الحديث في رباط , فقالوا لهم: ليس هذا موضعه) [1].
هذا وقد أورد ابن الجوزي حديثا بسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي عمامة أنه قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه , قال: فمر رجل بغار فيه شيء من ماء , قال: فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه , وفيه شيء من ماء , ويصيب ما حوله من البقل , ويتخلى عن الدنيا. ثم قال: لو أني أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له , فإن أذن لي فعلت , وإلا لم افعل , فأتاه فقال: يا نبي الله , إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا.
قال: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:
(إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكنني بعثت بالحنيفية السمحة , والذي نفس محمد بيده , لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها) [2].
وأما استماعهم إلى نصائح الرهبان ودروسهم ومواعظهم , وإنصاتهم لهم [1] تلبيس إبليس لابن الجوزي الباب العاشر ص 195 , 196. [2] أيضا ص 324.
اسم الکتاب : التصوف - المنشأ والمصادر المؤلف : إحسان إلهي ظهير الجزء : 1 صفحة : 88