الإيمان قول بلا عمل، ولا يكفر من يفضل علياً على عثمان، بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم، وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظاهرة بينة، ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة.
لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك، يمتحنونهم، ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم .. ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم واستغفر لهم ". (1)
وإذا تبين براءة السلف من تكفير المخالفين، فيحسن العلم أن هذا المذهب في تكفير المخالف من أقوال أهل البدع ومنهجهم، وتابعهم فيه من أخطأ من أهل السنة والحق، يقول ابن تيمية: " فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقاً، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع، وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية، وهذا القول أيضاً يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة، وليس هو قول الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وليس فيهم من كفر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك". (2)
يقول محمد صديق خان متحسراً على تكفير بعض الفقهاء للمتأولين: "وأما قول بعض أهل العلم: إن المتأول كالمرتد، فههنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب
(1) مجموع الفتاوى (23/ 348 - 349).
(2) منهاج السنة (5/ 240).