responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 559
10) (يَا أَكْرَمَ الرُّسُلِ [1] مَا لِي مَن أَلُوْذُ بِهِ … سِوَاكَ عِنْدَ حُلُوْلِ الحَادِثِ العَمِمِ)
التَّعْلِيْقُ: فِي هَذَا البَيْتِ دُعَاءٌ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا شِرْكٌ بِاللهِ - وَإِنْ قُصِدَتْ بِهِ الشَّفَاعَةُ - لِأَنَّ طَلَبَ الشَّفَاعَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ شِرْكٌ بِدَلِيْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُوْنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} (يُوْنُس:18)، فَسَمَّى اللهُ تَعَالَى اتِّخَاذَ الشُّفَعَاءِ عِنْدَهُ شِرْكًا، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِلشَّفَاعَةِ شُرُوْطًا مِنْهَا رِضَاهُ عَنِ المَشْفُوْعِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُوْنَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُوْنَ} (الأَنْبِيَاء: 28)، فَيَكُوْنَ مِنْ أَسْبَابِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ طَلَبُ الرِّضَى مِنَ اللهِ تَعَالَى.
وَأَيْضًا فَاللهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ مِنْ أَسْبَابِ حُصُوْلِ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ أَنْ تُطْلَبَ مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى، بَلْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ شِرْكَ المُشْرِكِيْنَ الأَوَائِلَ كَانَ فِي طَلَبِ الشَّفَاعَةِ مِنَ الأَوْلِيَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُوْنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} (يُوْنُس: 18)، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العِبَادَةُ. (2)
أَمَّا إِنْ كَانَ المَقْصُوْدُ بِذَلِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ مَوْقِفِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَصِحُّ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ بِقُيُوْدٍ؛ مِنْهَا:
أ) تَصْحِيْحُ ذَلِكَ البَيْتِ لِيَكُوْنَ المَقْصُوْدُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَفِي الحَدِيْثِ (إِيَّاكَ وَكُلَّ أَمْرٍ يُعْتَذرُ مِنْهُ). (3)
ب) نَفْيُ الحَصْرِ فِي قَوْلِهِ (مَا لِي مَنْ أَلُوْذُ بِهِ سِوَاكَ) فَيُجْعَلُ فِيْهِ التَّرْتِيْبُ بِـ (اللهِ تَعَالَى) ثُمَّ (أَنْتَ).
ج) مَعْرِفَةُ أَنَّ شَفَاعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَسْبَابٌ - لَا تَنَالُ مَنْ يَدْعُوْ غَيْرَ اللهِ تَعَالَى -.
د) أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَهَا شَرْطَان هُمَا: رِضَى اللهِ تَعَالَى عَنِ المَشْفُوْعِ، وَإِذْنُهُ لِلشَّافِعِ فِي أَنْ يَشْفَعَ. (4)
هـ) أَنَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ القُيُوْدِ يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ سُؤَالِ الحَيِّ الحَاضِرِ القَادِرِ؛ بِخِلَافِ مَنْ يَدْعُو النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اليَوْمَ. (5)

[1] وَبَعْضُهُم يَرْوِي البَيْتَ بِلَفْظِ (الخَلْقِ) عِوَضًا عَنِ (الرُّسُلِ).
(2) كَمَا فِي الحَدِيْثِ (الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ) ثُمَّ قَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِيْنَ يَسْتَكْبِرُوْنَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُوْنَ جَهَنَّمَ دَاخِرِيْنَ} (غَافِر:60). صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (18352) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيْرٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (3407).
(3) صَحِيْحٌ. الضِّيَاءُ المَقْدِسِيُّ فِي المُخْتَارَةِ (188/ 6) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (354).
(4) فَشُرُوْطُ الشَّفَاعَةِ:
أ) إِذْنُ اللهِ تَعَالَى لِلشَّافِعِ بِأَنْ يَشْفَعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِيْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البَقَرَة:255).
ب) رِضَاهُ عَنِ المَشْفُوْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُوْنَ، لَا يَسْبِقُوْنَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُوْنَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُوْنَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:28)، وَاللهُ تَعَالَى لَا يَرْضَى مِنَ العَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ؛ مُوَافِقًا لِشَرْعِهِ.
وَهَذَانِ النَّوْعَانِ مَجْمُوْعَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (النَّجْم:26).
(5) فَسُؤَالُ النَّاسِ لِلأَنْبِيَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مَوْقِفِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى صَحِيْحٌ لِأَنَّهُم أَحْيَاءُ حِيْنَهَا وَقَادِرُوْنَ عَلَى الإِجَابَةِ.
أَمَّا الآنَ - فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا - فَهُم أَمْوَاتٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُوْنَ} (الزُّمَر:30).
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الصَّحِيْحَةِ (459/ 5) - فِي سِيَاقِ الكَلَامِ عَلَى حَدِيْثِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى: (وَلَيْسَ فِيْهِ جَوَازُ الاسْتِغَاثَةِ بِالأَمْوَاتِ - كَمَا يَتَوَهَّمُ كَثِيْرٌ مِنَ المُبْتَدِعَةِ الأَمْوَاتِ! - بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الاسْتِغَاثَةِ بِالحَيِّ فِيْمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ).
وَفِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (202/ 1) ذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ أَنْوَاعَ التَّوَسُّلِ، وَذَكَرَ فِي النَّوْعِ الثَّانِيْ مَا نَصُّهُ: (التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَيَكُوْنُ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ يَتَوَسَّلُوْنَ بِشَفَاعَتِهِ).
وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ, فَقَالَ: (أَنَا فَاعِلٌ) , قَالَ: قُلْتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: (اُطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ) , قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: (فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيْزَانِ) , قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْد المِيْزَانِ؟ قَالَ: (فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الحَوْضِ, فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ المَوَاطِنِ). صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (2433). الصَّحِيْحَةُ (2630).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 559
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست