responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 51
- فِي تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى، أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى، ومَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيْزَى، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الهُدَى، أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الآَخِرَةُ وَالأُوْلَى} (النَّجْم:25).
قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ ([1]):
({لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُوْرِ الَّتِيْ رَآهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ، وَالأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ وَتَوْحِيْدِهِ، ذَكَرَ بُطْلَانَ مَا عَلَيْهِ المُشْرِكُوْنَ مِنْ عِبَادَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَوْصَافِ الكَمَالِ شَيْءٌ، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَإِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءٌ فَارِغَةٌ عَنِ المَعْنَى، سَمَّاهَا المُشْرِكُوْنَ هُمْ وَآبَاؤُهُم الجُهَّالُ الضُّلَالُ، ابْتَدَعُوا لَهَا مِنَ الأَسْمَاءِ البَاطِلَةِ الَّتِيْ لَا تَسْتَحِقُّهَا، فَخَدَعُوا بِهَا أَنْفُسَهُم وَغَيْرَهُم مِنَ الضُّلَّالِ، فَالآلِهَةُ الَّتِيْ بِهَذِهِ الحَالِ؛ لَا تَسْتَحِقُّ مِثْقَالَ ذَرَةٍ مِنَ العِبَادَةِ، وَهَذِهِ الأَنْدَادُ الَّتِيْ سَمَّوهَا بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ؛ زَعَمُوا أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَوْصَافٍ هِيَ مُتَّصِفَةٌ بِهَا، فَسَمَّوا (اللَاتَ) مِنَ (الإِلَهِ) المُسْتَحِقِّ لِلعِبَادَةِ، وَ (العُزَّى) مِنَ (العَزِيْزِ) وَ (مَنَاةَ) مِنَ (المَنَّانِ) إِلْحَادًا فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَتَجَرِّيًا عَلَى الشِّرْكِ بِهِ، وَهَذِهِ أَسْمَاءٌ مُتَجَرِّدَةٌ عَنِ المَعَانِي، فَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ؛ يَعْلَمُ بُطْلَانَ هَذِهِ الأَوْصَافِ فِيْهَا. (2)
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى} أَيْ: أَتَجْعَلُوْنَ للهِ البَنَاتِ بِزَعْمِكُم، وَلَكُمُ البَنُوْنَ؟ {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيْزَى} أَيْ: ظَالِمَةٌ جَائِرَةٌ. (3)
وَقَوْلُهُ {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أَيْ: مِنْ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِكُم [4]، وَكُلُّ أَمْرٍ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ فَاسِدٌ، لَا يُتَّخَذُ دِيْنًا، وَهُمْ - فِي أَنْفُسِهِم - لَيْسُوا مُتَّبِعِيْنَ بُرْهَانًا يَتَيَقَّنُوْنَ بِهِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا دَلَّهُم عَلَى قَوْلِهِم الظَّنُّ الفَاسِدُ وَمَا تَهْوَاهُ أنْفُسُهُم مِنَ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ المُوَافِقَةِ لِأَهْوِيَتِهِم. (5)
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الهُدَى} أَيْ: الَّذِيْ يُرْشِدُهُم فِي بَابِ التَّوْحِيْدِ وَالنُّبُوَّةِ وَجَمِيْعِ المَطَالِبِ الَّتِيْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا العِبَادُ، فَكُلُّهَا قَدْ بيَّنَهَا اللهُ أَكْمَلَ بَيَانٍ وَأَوْضَحَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ مِنَ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِيْنَ مَا يُوْجِبُ لَهُم وَلِغَيْرِهِم اتِّبَاعَهُ، فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عُذْرٌ وَلَا حُجَّةٌ مِنْ بَعْدِ البَيَانِ وَالبُرْهَانِ، وَإِذَا كَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ غَايَتُهُ اتِّبَاعُ الظَّنِّ، وَنِهَايَتُهُ الشَّقَاءُ الأَبَدِيُّ وَالعَذَابُ السَّرْمَدِيُّ، فَالبَقَاءُ عَلَى هَذِهِ الحَالِ مِنْ أَسْفَهِ السَّفَهِ وأَظْلَمِ الظُّلْمِ، وَمَعْ ذَلِكَ يَتَمَنَّوْنَ الأَمَانِيَ، وَيَغْتَرُّوْنَ بِأَنْفُسِهِم، وَلِهَذَا أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَا تَمَنَّى، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ! فقَالَ تَعَالَى: {أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأولَى} فَيُعْطِي مِنْهُمَا مَنْ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، فَلَيْسَ الأَمْرُ تَابِعًا لِأَمَانِيِّهِم، وَلَا مُوَافِقًا لِأَهْوَائِهِم).

[1] (ص818).
(2) مَعْنَى الآيَةِ كَمَا قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في التَّفْسِيرِ (102/ 17): (أَيْ: أَفَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الآلِهَةَ، هَلْ نَفَعَتْ أَوْ ضَرَّتْ حَتَّى تَكُوْنَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ).
(3) قَالَ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (409/ 7): (قَالَ الكَلْبِيُّ - مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ -: كَانَ المُشْرِكُوْنَ بِمَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: الأَصْنَامُ وَالمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُم إِذَا بُشِّرَ بِالأُنْثَى كَرِهَ ذَلِكَ).
[4] قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (467/ 13): (وَالآلِهَةُ الأَصْنَامُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِم أَنَّ العِبَادَةَ تَحُقُّ لَهَا, وَأَسْمَاؤُهُم تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِم لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ).
(5) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيرِ (458/ 7) - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} -: (أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ إِلَّا حُسْنَ ظَنِّهِمْ بِآبَائِهِمُ الَّذِيْنَ سَلَكُوا هَذَا المَسْلَكَ البَاطِلَ قَبْلَهُمْ؛ وَإِلَّا حَظَّ نُفُوسِهِمْ فِي رِيَاسَتِهِمْ وَتَعْظِيمِ آبَائِهِمُ الأَقْدَمِينَ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست