responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 506
- المَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إِذَا كَانَ التَّصْوِيْرُ وَاقْتِنَاءُ الصُّوَرِ مُحَرَّمًا، فَمَا الجَوَابُ عَنِ الأَحَادِيْثِ الَّتِيْ فِيْهَا وجُوْدُ بَعْضِ التَّمَاثِيْلِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَنَاتِ عَائِشَةَ [1]، وَالفَرَسِ الَّذِيْ لَهُ جَنَاحَانِ [2]، وَصُنْعِ الصَّحَابِةِ لِلُعَبِ العِهْنِ لِلأَوْلَادِ فِي رَمَضَانَ [3]، وَعَدَمِ التَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَامُلِ بِالدَّرَاهِمِ الفَارِسِيَّةِ وَالدَّنَانِيْرِ الرُّوْمِيَّةِ الَّتِيْ عَلَيْهَا صُوَرُ مُلُوْكِهِم؟
الجَوَابُ:
1) أَنَّ الأَحَادِيْثَ الَّتِيْ فِيْهَا وُجُوْدُ بَعْضِ اللُّعَبِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ لُعَبٌ لِلأَوْلَادِ، وَهِيَ مِمَّا دَلَّتِ النُّصُوْصُ عَلَى جَوَازِهَا، فَيَكُوْنُ مُسْتَثْنَىً مِنَ الأَصْلِ.
وَلِتَمَامِ الفَائِدَةِ نَقُوْلُ: إِنَّ تَحْرِيْمَ التَّصْوِيْرِ وَوجُوْدِ الصُّوَرِ مَشْمُوْلٌ بِقَاعِدَةِ (مَا حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيْعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ) [4]، فَلُعَبُ البَنَاتِ مَثَلًا تُسَاعِدُ عَلَى تَعْلِيْمِهِم مَا يُسَمَّى اليَوْمَ بِالتَّدْبِيْرِ المَنْزِلِيِّ [5]، وَمِثْلُهُ الفَرَسُ ذُوْ الجَنَاحَيْنِ فَهُوَ مِمَّا يُشَجِّعُ الفُرُوْسِيَّةَ وَيَبْعَثُ الهِمَّةَ عَلَى فُنُوْنِ الجِهَادِ، وَأَيْضًا صُنْعُ اللُّعَبِ مِنَ العِهْنِ لِلأَطْفَالِ فِي رَمَضَانَ؛ فَهُوَ لِتَحْقِيقِ فَائِدَةِ تَصْبِيْرِهِم عَلَى الصِّيَامِ حَتَّى يَحِيْنَ مَوْعِدُ الإِفْطَارِ.
2) أَمَّا عَدَمُ التَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَامُلِ بِالدَّرَاهِمِ الفَارِسِيَّةِ وَالدَّنَانِيْرِ الرُّوْمِيَّةِ الَّتِيْ عَلَيْهَا صُوَرُ مُلُوْكِهِم؛ فَهُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الحَرَجِ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ} (الحَجّ:78). (6)

[1] وَالحَدِيْثُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ (6130)، وَمُسْلِمٌ (81) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
[2] وَالحَدِيْثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ قَالَتْ: (قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوْكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ؛ فَهَبَّتْ رِيْحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟) قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: (مَا هَذَا الَّذِيْ أَرَى وَسْطَهُنَّ؟) قَالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: (وَمَا هَذَا الَّذِيْ عَلَيْهِ). قَالَتْ: جَنَاحَانِ. قَالَ: (فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ!). قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ). صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (4932). صَحِيْحُ أَبِي دَاوُدَ (4932).
[3] وَالحَدِيْثُ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ قَالَتْ: (أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُوْرَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ)، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُوْمُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنْ العِهْنِ؛ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُوْنَ عِنْدَ الإِفْطَارِ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1960)، وَمُسْلِمٌ (1136).
[4] وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القَاعِدَةَ ابْنُ القيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (108/ 2).
[5] وَالتَّخْصِيْصُ مِنَ العُمُوْمِ هُوَ مَذْهَبُ الجُمْهُوْرِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوْخَةٌ بِأَحَادِيْثِ النَّهْي، وَلَكِنَّ هَذَا التَّوْجِيْهَ الأَخِيْرَ مَرْجُوْحٌ لِإِمْكَانِيَّةِ الجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالتَّخْصِيْصِ المَذْكُوْرِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (527/ 10): (وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الحَدِيْثِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ صُوَرِ البَنَاتِ وَاللُّعَبِ مِنْ أَجْلِ لَعِبِ البَنَاتِ بِهِنَّ، وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوْمِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ، وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنِ الجُمْهُوْرِ؛ وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ اللُّعَبِ لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيْبِهِنَّ مِنْ صِغَرِهِنَّ عَلَى أَمْرِ بُيُوْتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ، قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوْخٌ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَحَكَى عَن ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ لِابْنَتِهِ الصُّوَرَ، وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الدَّاوْدِيُّ أَنه مَنْسُوخٌ.
وَقَدْ ترْجَمَ ابْنُ حِبَّانَ الإِبَاحَةَ لِصِغَارِ النِّسَاءِ اللَّعِبَ بِاللُّعَبِ، وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ: إِبَاحَةَ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ اللَّعِبَ بِالبَنَاتِ، فَلَمْ يُقَيَّدْ بِالصِّغَرِ وَفِيْهِ نَظَرٌ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ بَعْدَ تَخْرِيْجِهِ: ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيْمِ. وَبِه جَزَمَ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: إِنْ كَانَتِ اللُّعَبُ كَالصُوْرَةِ؛ فَهُوَ قَبْلَ التَّحْرِيْمِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُسَمَّى مَا لَيْسَ بِصُوْرَةٍ لُعْبَةً، وَبِهَذَا جَزَمَ الحَلِيْمِيُّ، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ صُوْرَةً كَالوَثَنِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ. وَقِيْلَ مَعْنَى الحَدِيْثِ: اللَّعِبُ مَعَ البَنَاتِ أَيِ الجَوَارِي، وَالبَاءُ هُنَا بِمَعْنَى مَعَ. حَكَاهُ ابْنُ التِّيْنِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ وَرَدَّهُ.
قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي الجَامِعِ مِنْ رِوَايَةَ سَعِيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيِّ عَنْهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الحَدِيْثِ (وَكُنَّ جِوَارِي يَأْتِينَ فَيَلْعَبْنَ بِهَا مَعِيَ) وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ - وَهُنَّ اللُّعَبُ -). أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوْكَ أَوْ خَيْبَرَ) فَذَكَرَ الحَدِيْثَ فِي هَتْكِهِ السِّتْرَ الَّذِيْ نَصَبَتْهُ عَلَى بَابِهَا، قَالَتْ: (فَكَشَفَ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَلَى بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟) قَالَتْ: بَنَاتِي، قَالَتْ: وَرَأَى فِيْهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) قُلْتُ: فَرَسٌ، قَالَ: (فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟) قُلْتُ: أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ خَيْلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ! فَضَحِكَ). فَهَذَا صَرِيْحٌ فِي أَنَّ المُرَادَ بِاللُّعَبِ غَيْرُ الآدَمِيَّاتِ.
قَالَ الخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالبَنَاتِ لَيْسَ كَالتَّلَهِّي بِسَائِرِ الصُّوَرِ الَّتِيْ جَاءَ فِيْهَا الوَعِيْدُ، وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لِعَائِشَةَ فِيْهَا لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ. قُلْتُ: وَفِي الجَزْمِ بِهِ نَظَرٌ؛ لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِنْتَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً - إِمَّا أَكْمَلَتْهَا أَوْ جَاوَزَتْهَا أَوْ قَارَبَتْهَا - وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَطْعًا، فَيَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ فِي خَيْبَرَ، وَيُجْمَعُ بِمَا قَالَ الخَطَّابِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنَ التَّعَارُض).
(6) وَقَدْ ذهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا كَانَ مِنْ بَابِ الامْتِهَانِ، وَهَذَا بَعِيْدٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الكُفَّارَ مَا وَضَعُوا صُوَرَ مُلُوْكِهِم عَلَيْهَا إِلَّا لِلتَّعْظِيْمِ وَالتَّخْلِيْدِ لِذِكْرَاهُم.
قَالَ الحَافِظُ الهَيْتَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (تُحْفَةُ المُحْتَاجِ فِي شَرْحِ المِنْهَاجِ) -مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ - (433/ 7) -: (لَا يُؤَثِّرُ حَمْلُ النَّقْدِ الَّذِيْ عَلَيْهِ صُوْرَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّهَا مُمْتَهَنَةٌ بِالمُعَامَلَةِ بِهَا، وَلِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَتَعَامَلُوْنَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيْرٍ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ عَادَةُ حَمْلِهِمْ لَهَا، وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الإِسْلَامِيَّةُ فَلَمْ تَحْدُثْ إِلَّا فِي زَمَنِ عَبْدِ المَلِكِ وَكَانَ مَكْتُوْبًا عَلَيْهَا اسْمُ اللهِ وَاسْمُ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 506
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست