responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 486
الشَّرْحُ
- مُنَاسَبَةُ البَابِ لِكِتَابِ التَّوْحِيْدِ هُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ:
1) أَنَّ التَّصْوِيْرَ فِيْهِ تَرْكٌ لِلأَدَبِ مَعَ اللهِ تَعَالَى حَيْثُ جَعَلَ المُصَوِّرُ نَفْسَهُ مُضَاهِيًا للهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ الخَلْقِ، كَمَا فِي قَوْلِ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ فِي المَسَائِلِ (التَّنْبِيْهُ عَلَى العِلَّةِ؛ وَهُوَ تَرْكُ الأَدَبِ مَعَ اللهِ؛ لِقَوْلِهِ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي)).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [1]: (قَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِيْنَ يُؤْذُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ} (الأَحْزَاب:58): نَزَلَتْ فِي المُصَوِّرِيْنَ). (2)
2) أَنَّ التَّصْوِيْرَ هُوَ مِنْ ذَرَائِعِ الشِّرْكِ، كَمَا فِي الصَّحِيْحِ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيْسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، وَمَا فِيْهَا مِنْ الصُّوَرِ، فَقَالَ: (أُوْلَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيْهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوِ العَبْدُ الصَّالِحُ؛ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوْا فِيْهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُوْلَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ). (3)
- قَوْلُهُ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي): (مَنْ): اسْمُ اسْتِفْهَامٍ؛ وَالمُرَادُ بِهِ النَّفْيُ; أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْي المَحْضِ.
- قَوْلُهُ (يَخْلُقُ كَخَلْقِي): (الخَلْقُ): يُقْصَدُ بِهِ أَحَدُ مَعْنَيَيْنِ: التَّقْدِيْرُ، وَالفِعْلُ. وَالأَخِيْرُ هُوَ المَقْصُوْدُ هُنَا.
وَفِيْهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ صِفَةِ الخَلْقِ عَلَى غَيْرِ اللهِ، وَلَكِنَّ الخَلْقَ مِنَ العَبْدِ هُوَ بِمَعْنَى التَّصْيِيْرِ وَلَيْسَ بَمَعْنَى الإِيْجَادِ مِنَ العَدَمِ، هَذَا مَعَ الفَارِقِ بَيْنَ أَنَّ خَلْقَ اللهِ تَامٌّ؛ وَخَلْقَ العَبْدِ وَتَصْوِيْرَهُ نَاقِصٌ، فَهُوَ خَالٍ مِنَ الحَيَاةِ؛ سَوَاءً كَانَ المُصَوَّرُ ذَا رَوْحٌ أَوْ لَا. (4)
- قَوْلُهُ (فَلْيَخْلُقُوا): اللَّامُ لِلأَمْرِ، وَلَكِنَّ المُرَادَ بِهِ التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيْزُ.
- قَوْلُهُ (فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً): الذَّرَّةُ: وَاحِدَةُ الذَّرِّ، وَهِيَ النَّمْلُ الصِّغَارُ.
- قَوْلُهُ (أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً): (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ; حَيْثُ انْتَقَلَ مِنَ التَّحَدِّي بِخَلْقِ الحَيَوَانِ ذِي الرُّوْحِ إِلَى خَلْقِ الحَبَّةِ الَّتِيْ لَيْسَ لَهَا رَوْحٌ.
- قَوْلُهُ (الَّذِيْنَ يُضَاهِئُوْنَ بِخَلْقِ اللهِ): (يُضَاهِئُوْنَ) أَيْ: يُشَابِهُوْنَ اللهَ فِي خَلْقِهِ وَفِعْلِهِ، يَعْنِي: أَنَّهُم يُصَوِّرُوْنَ الصُّوَرَ الَّتِيْ خَلَقَهَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا - وَلَيْسَ للهِ مَثِيْلٌ فِي الخَلْقِ، وَلَيْسَ لَهُ نَظِيْرٌ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ -، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُم أَسَاءُوا الأَدَبَ مِعَ اللهِ تَعَالَى، وَجَعَلُوا أَنْفُسَهُم بِمَنْزِلَةِ المُشَارِكِ للهِ جَلَّ وَعَلَا فِي صِفَةِ الخَلْقِ والتَّصْوِيْرِ - تَعَالَى اللهُ وَتَقَدَّسَ -.
- قَوْلُهُ (يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُوْرَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسٌ يُعَذَّبُ بِهَا فِي جَهَنَّمَ): أَيْ أَنَّ عَذَابَهُ كَثِيْرٌ بِعَدَدِ الصُّوَرِ الَّتِيْ صَوَّرَهَا، فَيُكَلَّفُ أَنْ يَخْلُقَ الصُوْرَةَ الَّتِيْ صَوَّرَهَا وَيَجْعَلَ فِيْهَا الرُّوْحَ حَتَّى تَكُوْنَ حَيَّةً مِثْلَ الصُوْرَةِ الَّتِيْ تُضَاهِيْهَا وَتُشَابِهُهَا، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، وَتَكْلِيْفُهُ لَا يَنْقَطِعُ؛ فَيَسْتَمِرُّ عَذَابُهُ.
- (أَبُو الهَيَّاجِ): هُوَ حَيَّانُ بْنُ حُصَيْنٍ الأَسَدِيُّ الكُوْفِيُّ، ثِقَةٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الوُسْطَى مِنَ التَّابِعِيْنَ، (ت 80 هـ).

[1] (480/ 6).
(2) قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَنَّ رَسُوْلَنَا الكَرِيْمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَجِدُ لَهُ صُوْرَةً وَاحِدَةً - لَا مَرْسُوْمَةً عَلى وَرَقٍ؛ وَلَا مَنْقُوْشَةً عَلَى حَائِطٍ -؛ بَلْ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، بَلْ وَلَا عَنِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَلَكِنَّكَ تَجِدُ رُسُوْمًا وَنُقُوْشًا لِلفَرَاعِنَةِ - وَهُمْ قَبْلَهُم بِمِئَاتِ بَلْ بِآلَافِ السَّنَوَاتِ -، فَمَا وَجْهُ ذَلِكَ إِنْ كُنْتُم تَعْقِلُوْنَ!!
(3) البُخَارِيُّ (434).
(4) قَالَ الشَّيْخُ الغُنَيْمَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ مِنْ صَحِيْحِ البُخَاريِّ (692/ 2): (وَمُرَادُ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ نِسْبَةُ الخَلْقِ إِلَيْهِم فِعْلًا لَهُمْ حَقِيْقَةً؛ مَعَ أَنَّهُم مَخْلُوْقُوْنَ للهِ تَعَالَى، فَاللهُ خَالِقُهُم وَخَالِقُ أَفْعَالِهِم، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُم فَاعِلِيْنَ قَادِرِيْنَ عَلَى فِعْلِهِم بِاخْتِيَارِهِم وَقُدْرَتِهِم الَّتِيْ خَلَقَهَا اللهُ فِيْهِم، وَلِهَذَا عَذَّبَهُم عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا لَهُمْ حَقِيْقَةً مَا عُذِّبُوا عَلَيْهِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 486
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست