responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 475
- المَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إِذَا كَانَ لَا يَجُوْزُ الاحْتِجَاجُ بِالقَدَرِ عَلَى المَعْصِيَةِ، فَكَيْفَ احْتَجَّ آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالقَدَرِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ؟ (1)
الجَوَابُ هُوَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
1) أَنَّ لَوْمَ مُوْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِآدَمَ لَيْسَ هُوَ عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَإِنَّمَا عَلَى الخُرُوْجِ مِنَ الجَنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِيْ أَجَابَ عَنْهُ آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِكَوْنِهِ مَكْتُوْبًا عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ المَعْصِيَةَ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالقَدَرِ عَلَى الخُرُوْجِ مِنَ الجَنَّةِ وَلَيْسَ عَلَى المَعْصِيَةِ نَفْسِهَا، فَالمَعْصِيَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِآدَمَ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الهُبُوْطِ مِنَ الجَنَّةِ فَهُو مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ بَني آدَمَ، وَهَذَا الَّذِيْ لَامَ عَلَيْهِ مُوْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ آدَمَ لَمْ يَحْتَجَّ بِالقَدَرِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَإِنَّمَا عَلَى الهُبُوْطِ بِشَأْنِ الذُّرِّيَّةِ، وَهُوَ شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ عَنِ المَعْصِيَةِ. [2] (3)
2) أَنَّ احْتِجَاجَ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ بِالقَدَرِ عَلَى وُقُوْعِ المَعْصِيَةِ؛ وَلَكِنْ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهَا، وَلَيْسَ مَعَ المَعْصِيَةِ، وَعَلِيْهِ فَلَا إِشْكَالَ فِي الاحْتِجَاجِ بِالقَدَرِ؛ لِأَنَّه لَا يُبَرِّرُ مُحَرَّمًا وَلَا يَمْنَعُ وَاجِبًا. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (4)

(1) وَالحَدِيْثُ هُوَ (التَقَى آدَمُ وَمُوْسَى، فَقَالَ مُوْسَى لِآدَمَ: أنْتَ الَّذِيْ أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ؟! قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوْسَى الَّذِيْ اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ؛ وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ؛ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَجَّ آدَمُ مُوْسَى). البُخَارِيُّ (4736)، وَمُسْلِمٌ (2652) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا.
وَمَعْنَى (فَحَجَّ آدَمُ مُوْسَى): أَيْ: غَلَبَهُ بِالحُجَّةِ.
[2] قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الصَّحِيْحَةِ (1702): (وَالنَّاسُ مَأْمُوْرُوْنَ عِنْدَ المَصَائِبِ الَّتِيْ تُصِيْبُهُم - بِأَفْعَالِ النَّاسِ أَوْ بِغَيْرِ أَفْعَالِهِم - بِالتَّسْلِيمِ لِلقَدَرِ وَشُهُوْدِ الرُّبُوْبِيَّةِ).
(3) وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِنَّ لَوْمَ مُوْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِآدَمَ هُوَ عَلَى المَعْصِيَةِ؛ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحِقًّا فِي هَذَا اللَّوْمِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ آدَمَ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْهُ؛ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَهُ اللَّوْمُ عَلَى المَعْصِيَةِ.
وَهَذَا الجَوَابُ جَوَابٌ ضَعِيْفٌ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ هُوَ إِهْمَالُ مَعْنَى جَوَابِ آدَمَ عَلَى مُوْسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ حَيْثُ أَنَّهُ احْتَجَّ بِالقَدَرِ وَالكِتَابَةِ وَلَيْسَ بِالتَّوْبَةِ.
(4) قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (شِفَاءُ العَلِيْلِ) (ص18): (إِنَّمَا لَامَ مُوْسَى آدَمَ عَلَى المَعْصِيَةِ الَّتِيْ نَالَتْ الذُّرِّيَّةَ بِخُرُوْجِهِم مِنَ الجَنَّةِ وَنُزُوْلِهِم إِلَى دَارِ الابْتِلَاءِ وَالمِحْنَةِ بِسَبَبِ خَطِيْئَةِ أَبِيْهِم، فَذَكَرَ الخَطِيْئَةَ تَنْبِيْهًا عَلَى سَبِبِ المُصِيْبَةِ المِحْنَةِ الَّتِيْ نَالَتِ الذُّرِّيَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: (أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الجَنَّةِ)، وَفي لَفْظٍ (خَيَّبْتَنَا) فَاحْتَجَّ آدَمُ بِالقَدَرِ عَلَى المُصِيْبَةِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ المُصِيْبَةَ الَّتِيْ نَالَتْ الذُّرِّيَّةَ بِسَبَبِ خَطِيْئَتِي كَانَتْ مَكْتُوْبَةً بِقَدَرِهِ قَبْلَ خَلْقِي.
وَالقَدَرُ يُحْتَجُّ بِهِ فِي المَصَائِبِ دُوْنَ المَعَائِبِ، أَيْ: أَتَلُوْمْنِي عَلَى مُصِيْبَةٍ قُدِّرَتْ عَلَيَّ وَعَلَيْكُم قَبْلَ خَلْقِي بِكَذَا وَكَذَا سَنَةٍ. هَذَا جَوَابُ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللهُ.
وَقَدْ يَتَوَجَّهُ جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الاحْتِجَاجَ بِالقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ يَنْفَعُ فِي مَوْضِعٍ وَيَضُرُّ فِي مَوْضِعٍ، فَيَنْفَعُ إِذَا احْتُجَّ بِهِ بَعْدَ وُقُوْعِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ وَتَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ - كَمَا فَعَلَ آدَمُ - فَيَكُوْنُ فِي ذِكْرِ القَدَرِ إِذْ ذَاكَ مِنَ التَّوْحِيْدِ وَمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ وَذِكْرِهَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الذَّاكِرُ وَالسَّامِعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ بِالقَدَرِ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا وَلَا يُبْطِلُ بِهِ شَرِيْعَةً، بَلْ يُخْبِرُ بِالحَقِّ المَحْضِ عَلَى وَجْهِ التَّوْحِيْدِ وَالبَرَاءَةِ مِنَ الحَوْلِ وَالقُوَّةِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 475
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست