responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 467
أَمَّا الجَوَابُ عَلَى اسْتِدْلَالِ الفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ:
1) أَنَّ إِثْبَاتِ مَشِيْئَةِ العَبْدِ لَا يَعْنِي اسْتِقْلَالَهَا - مِنْ جِهَةِ الوُقُوْعِ -، وَلَكِنَّهَا تَحْتَ مَشِيْئَةِ اللهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ، وَمَا تَشَاءُوْنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ} (التَّكْوِيْر:29).
2) أَنَّ إِثْبَاتَ وُجُوْدِ شَيْءٍ فِي الكَوْنِ بِغَيْرِ مَشِيْئَةِ اللهِ هُوَ نَوْعُ إِشْرَاكٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ تَوْحِيْدِ الرُّبُوْبِيَّةِ, وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القَدَرِيَّةَ مَجُوْسَ هَذِهِ الأُمَّةِ. (1)
3) أَنَّ عِلْمَ اللهِ بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِمَا سَيَكُوْنُ فِي المُسْتَقْبَلِ يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ أَرَادَهُ كَوْنًا؛ وَهَذِهِ هِيَ المَشِيْئَةُ.
4) أَنَّ فِعْلَ العَبْدِ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ مُبَاشَرَةً لِأَنَّ فِيْهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَهُوَ أَيْضًا يُنْسَبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى خَلْقًا وَمَشِيْئَةً، وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مُلْكِهِ وَإِذْنِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ دَلِيْلُ عَظَمَةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَكَمَالِ سُلْطَانِهِ، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِيْنَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيْدُ} (البَقَرَة:253). [2] (3)
وَيَزِيْدُ هَذَا بَيَانًا مَعْرِفَةُ أَنَّ إِرَادَةَ اللهِ تَعَالَى نَوْعَانِ؛ شَرْعِيَّةٌ وَكَوْنِيَّةٌ؛ وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا:
أ) مِنْ حَيْثُ المَحَبَّةِ؛ الشَّرْعيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِمَا يُحِبُّهُ اللهُ، وَأَمَّا الكَوْنِيَّةُ فَقَدْ يُحِبُّهَا اللهُ وَقَدْ لَا يُحِبُّهَا.
ب) مِنْ حَيْثُ الوُقُوْعِ؛ الشَّرْعِيَّةُ قَدْ تَقَعُ وَقَدْ لَا تَقَعُ، بِخِلَافِ الكَوْنِيَّةِ فَهِيَ وَاقِعَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَكِلَا النَّوْعَيْنِ مَقُرُوْنٌ بِالحِكْمَةِ. (4)

(1) صَحِيْحٌ. وَهُوَ لَفْظُ الحَدِيْثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (4691) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (4442).
قَالَ البَيهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (السُّنَنُ الكُبْرَى) (349/ 10): (إِنَّمَا سَمَّاهُمْ مَجُوْسًا لِمُضَاهَاةِ بَعْضِ مَا يَذْهَبُوْنَ إِلَيْهِ مَذَاهِبَ المَجُوْسِ فِي قَوْلِهِمْ بِالأَصْلَيْنِ - وَهُمَا النُّوْرُ وَالظُّلْمَةُ - يَزْعُمُوْنَ أَنَّ الخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّوْرِ وَأَنَّ الشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ، فَصَارُوا ثَنَوِيَّةً، كَذَلِكَ القَدَرِيَّةُ يُضِيْفُوْنَ الخَيْرَ إِلَى اللهِ وَالشَّرَّ إِلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالأَمْرَانِ مَعًا مُضَافَانِ إِلَيْهِ خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الفَاعِلِيْنَ لَهُمَا مِنْ عِبَادِهِ فِعْلًا وَاكْتِسَابًا، هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ الخَطَابِيِّ رَحِمَهُ اللهُ).
قُلْتُ: وَهُمْ فِي الحَقِيقةِ فَاقُوا المَجُوْسَ فِي هَذِهِ البِدْعَةِ لِأَنَّهُم أَثْبَتُوا خَالِقَيْنِ كُثُر بِعَدَدِ العِبَادِ.
[2] قَالَ الشَّيْخُ الغُنَيْمَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ مِنْ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (492/ 2): (فَأَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ للهِ كَسَائِرِ مَخْلُوْقَاتِهِ، وَمَفْعُوْلَةٌ لَهُ، وَهِيَ فِعْلُ العِبَادِ حَقِيْقَةً، وَقَائِمَةٌ بِهِم حَقِيْقَةً.
فَالكُفْرُ وَالكَذِبُ وَالظُّلْمُ وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ القَبَائِحِ؛ يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ قَامَتْ بِهِ وَفَعَلَهَا، وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ خَلَقَهَا وَجَعَلَهَا صِفَةً لِغَيْرِهِ. فَكَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَكُوْنُ مُتَّصِفًا بِمَا خَلَقَهُ فِي خَلْقِهِ مِنَ الأَلْوَانِ وَالرَّوَائِحِ وَالطُّعُوْمِ! فَكَذَلِكَ لَا يَكُوْنُ مُتَّصِفًا بِالفِعْلِ الَّذِيْ خَلَقَهُ فِي عِبَادِهِ وَجَعَلَهُ وَصْفًا لَهُم.
وَبِهَذَا تَزُوْلُ شُبْهَةُ المُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُم فَي نَفْيِهِمُ الأَفْعَالَ القَبِيْحَةَ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ مَشِيْئَةِ اللهِ وَخَلْقِهِ مُحْتَجِّيْنَ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ القَبِيْحِ. وَاللهُ أَعْلَمُ).
(3) وَيُقَالُ: إِنَّ بَعْضَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ أُحْضِرَ لِلْمُنَاظَرَةِ مَعَ بَعْضِ أَئِمَّةِ المُعْتَزِلَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ المُعْتَزِلِيُّ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الفَحْشَاءِ. فَقَالَ السُّنِّيُّ: سُبْحَانَ مَنْ لَا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءُ. فَقَالَ المُعْتَزِلِيُّ: أَيَشَاءُ رَبُّنَا أَنْ يُعْصَى؟! فَقَالَ السُّنِّيُّ: أَفَيُعْصَى رَبُّنَا قَهْرًا؟! فَقَالَ المُعْتَزِلِيُّ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَنِي الهُدَى وَقَضَى عَلَيَّ بِالرَّدَى؛ أَحْسَنَ إِلَيَّ أَوْ أَسَاءَ؟ فَقَالَ السُّنِّيُّ: إِنْ كَانَ مَنَعَكَ مَا هُوَ لَكَ؛ فَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَنَعَكَ مَا هُوَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ. فَانْقَطَعَ. أَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (451/ 13).
(4) وَمِثَالُ الكَوْنِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيْدُ} (البُرُوْج:16)، وَالإِرَادَةُ الكَوْنِيَّةُ هِيَ نَفْسُهَا المَشِيْئَةُ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشأْ لَمْ يَكُنْ.
وَمِثَالُ الشَّرْعِيَّةِ {وَاللَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَتُوْبَ عَلَيْكُمْ} (النِّسَاء:27).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 467
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست