responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 465
المُلْحَقُ التَّاسِعُ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ) مَسَائِلُ فِي الإِيْمَانِ بِالقَدَرِ
- المَسْأَلَةُ الأُوْلَى) هَلْ مِنْ مَعْنَى الإِيْمَانِ بِالقَدَرِ تَرْكُ العَمَلِ وَالاتِّكَالُ عَلَى مَا كُتِبَ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوْظِ، وَهَلْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِلعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ؟
الجَوَابُ: لَا، وَذَلِكَ لِسَبَبَيْنِ:
1) دَلِيْلٌ أَثَرِيٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالعَمَلِ رُغْمَ وُجُوْدِ الكِتَابَةِ وَفِي نَفْسِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيْعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ - وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ - فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ [1] ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوْسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيْدَةً)، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؛ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيْرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيْرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: (أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ) ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى؛ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى} الآيَةَ (اللَّيْل:7). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (2)
فَالحَدِيْثُ صَرِيْحٌ فِي الأَمْرِ بِالعَمَلِ رُغْمَ وُجُوْدِ الكِتَابَةِ، وَلَكِنْ يَكُوْنُ العَمَلُ نَفْسُهُ سَبَبًا لِلجَنَّةِ أَوْ لِلنَّارِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِيْ أُورِثْتُمُوْهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} (الزُّخْرُف:72). (3)
2) دَلِيْلٌ نَظَرِيٌّ: أَنَّهُ يُقَالُ لِهَذَا الرَّجُلِ العَاصِي: مَا الَّذِيْ أَعْلَمَكَ أَنَّ اللهَ كَتَبَكَ مُسِيْئًا؟ هَلْ تَعْلَمُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَعْمَلَ الإِسَاءَةَ؟ فَجَوَابُهُ حَتْمًا هُوَ النَّفْيُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَقُوْلَ إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ اخْتَارَ ذَلِكَ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى عَنِ المُشْرِكِيْنَ: {سَيَقُوْلُ الَّذِيْنَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوْهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُوْنَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُوْنَ، قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِيْنَ} (الأَنْعَام:149)؛ حَيْثُ جَعَلَ تَعَالَى عَدَمَ عِلْمِهِم بِمَا كَانُوا عَامِلِيْنَ حُجَّةً بِالِغَةً عَلَيْهِم.
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا عَنْهُم: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُوْنَ} (الزخرف:20). (4)

[1] المِخْصَرَةُ: مَا يُتَوَكَّأُ عَلَيْهِ مِنْ عَصَا وَغَيْرِهَا.
(2) البُخَارِيُّ (4948)، وَمُسْلِمٌ (2647).
(3) وَأَيْضًا فِي الحَدِيْثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (4703) عَنْ عُمَرَ مَرْفُوْعًا ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِيْنِهِ؛ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ؛ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَعْمَلُوْنَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ؛ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً؛ فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ؛ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُوْنَ). فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ فَفِيْمَ العَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى يَمُوْتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوْتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ)).
قُلْتُ: وَجُمْلَةُ (مَسْحِ الظَّهْرِ) ضَعَّفَهَا الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَدِيْمًا؛ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تَصْحِيْحِهَا بَعْدَ أَنْ تَنَبَّهَ إِلَى شَوَاهِدَ لَهَا. تَخْرِيْجُ الطَّحَاوِيَّةِ (ص266 - ط2).
(4) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (224/ 7): ({مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أَيْ: بِصِحَّةِ مَا قَالُوْهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، {إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُوْنَ} أَيْ: يَكْذِبُوْنَ وَيَتَقَوَّلُوْنَ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 465
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست