responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 460
- النَّاسُ فِي القَدَرِ ثَلَاثُ طَوَائِفَ:
1) الجَبْرِيَّةُ الجَهْمِيَّةُ: أَثْبَتُوا قَدَرَ اللهِ تَعَالَى وَغَلَوا فِي إِثْبَاتِهِ حَتَّى سَلَبُوا العَبْدَ اخْتِيَارَهُ وَقُدْرَتَهُ، وَقَالُوا: لَيْسَ لِلعَبْدِ اخْتِيَارٌ وَلَا قُدْرَةٌ فِي مَا يَفْعَلُهُ أَوْ يَتْرُكَهُ.
2) القَدَرِيَّةُ المُعْتَزِلَةُ: أَثْبَتُوا لِلعَبْدِ اخْتِيَارًا وَقُدْرَةً فِي عَمَلِهِ وَغَلَوا فِي ذَلِكَ حَتَّى نَفَوا أَنْ يَكُوْنَ للهِ تَعَالَى فِي عَمَلِ العَبْدِ مَشِيْئَةٌ أَوْ خَلْقٌ، وَنَفَى غُلَاتُهُم عِلْمَ اللهِ بِهِ قَبْلَ وُقُوْعِهِ.
3) أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: وَهُمُ الطَّائِفَةُ الوَسَطُ الَّذِيْنَ جَمَعُوا بَيْنَ الأَدِلَّةِ وَسَلَكُوا فِي طَرِيْقِهِم خَيْرَ مِلَّةٍ; فَآمَنُوا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ وَبِأَنَّ لِلعَبْدِ اخْتِيَارًا وَقُدْرَةً وَمَشِيْئَةً، لَكِنَّ مَشِيْئَتَهُ مَرْبُوطَةٌ بِمَشِيْئَةِ اللهِ تَعَالَى; كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ وَمَا تَشَاءُوْنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِيْنَ} (التَّكْوِيْر:29).
- إِنَّ حُكْمَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مُنْكِرِي القَدَرِ بِأَنَّ نَفَقَاتِهِم غُيْرُ مَقْبُوْلَةٍ يَسْتَوْجِبُ تَكْفِيْرَهُم عِنْدَهُ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُوْلِهِ} (التَّوْبَة:54)، وَإِيْرَادُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِحَدِيْثِ جِبْرِيْلَ يُرِيْدُ بِهِ أَنَّ الإِيْمَانَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يُؤْمَنَ بِالقَدَرِ. (1)
وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القَدَرِ؛ فَنَزَلَتْ {يَوْمَ يُسْحَبُوْنَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوْهِهِمْ ذُوْقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القَمَر:49). (2)
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرو بْنِ العَاصِ: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّ المُجْرِمِيْنَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} (القَمَر:47) فِي أَهْلِ القَدَرِ). (3)
- قَوْلُهُ (تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ): هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَجِدُهُ الإِنْسَانُ, أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا فَاللهُ تَعَالَى أَفْعَالُهُ كُلُّهَا خَيْرٌ, لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِحِكْمَتِهِ [4] , وَفي الحَدِيْثِ (والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) [5]، وَمِثَالُهُ هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيْقَهُمْ بَعْضَ الَّذِيْ عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُوْنَ} (الرُّوْم:41). (6)

(1) وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُكَاتِبُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَرَّةً عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِي شَيْءٍ مِنَ القَدَرِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (سَيَكُوْنُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُوْنَ بِالقَدَرِ). صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (5639). صَحِيْحُ الجَامِعِ (3669).
وَفي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَه (4061): (يَكُوْنُ فِي أُمَّتِي أَوْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ؛ وَذَلِكَ فِي أَهْلِ القَدَرِ). صَحِيْحٌ. الصَّحِيْحَةُ (1787).
(2) مُسْلِمٌ (2656).
(3) قَالَ السُّيُوْطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الدُّرُّ المَنْثُوْرُ) (683/ 7): (وَأَخْرَجَ البَزَّارُ وَابْنُ المُنْذِرِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيْقِ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: ....)، وَأَوْرَدَهُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (خَلْقُ أَفْعَالِ العِبَادِ) (ص49)، وَقَالَ: (وَيُرْوَى فِيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم).
[4] وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِيْنَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوْهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِيْ تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيْمٌ) (النُّوْر:11).
[5] وَهُوَ مِنْ حَدِيْثِ عَلِيٍّ مَرْفُوْعًا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (771)، وَقَرِيْبٌ مِنْهُ فِي الاسْتِدْلَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوْكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:35).
(6) وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ بَابِ (مِنَ الإِيْمَانِ بِاللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ) حَدِيْثُ أَنَسٍ وَفِيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ) مَعَ قَوْلِهِ أَيْضًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيْثٍ آخَرَ (والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ)، وَأَنَّ جَوَابَ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ مَخْلُوْقَانِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّ الشَّرَّ لَيْسَ مَقْصُوْدًا ابْتِدَاءً، بَلْ هُوَ خَيْرٌ فِي حَقِيْقَتِهِ وَمَآلِهِ، فَيَظْهُرُ فِيْهِ فَضْلُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الصَّابِرِ، وَعَدْلُهُ مَعَ الكَافِرِ. قَالَ العُلَمَاءُ: أَفْعَالُ اللهِ تَعَالَى كُلُّهَا حِكْمَةٌ تَدُوْرُ بينَ العَدْلِ وَالفَضْلِ، وَتَأَمَّلْ قِصَّةَ مُوْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ الخَضِرِ وَمَا فِيْهَا مِنَ الحِكَمِ، ثُمَّ تَأَمَّلْ قَوْلَ الخَضِرِ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (الكَهْف:82).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 460
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست