responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 454
بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {يَظُنُّوْنَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُوْلُوْنَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} (آل عِمْرَان:154).
وَقَوْلِهِ {الظَّانِّيْنَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} (الفَتْحِ:6).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي الآيَةِ الأُوْلَى:
(فُسِّرَ هَذَا الظَّنُّ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْصُرُ رَسُوْلَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ، وَفُسِّرَ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ بِقَدَرِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ.
فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ الحِكْمَةِ وَإِنْكَارِ القَدْرِ وَإِنْكَارٍ أَنْ يُتِمَّ أَمْرَ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ، وَهَذَا هُوَ ظَنُّ السَّوْءِ الَّذِيْ ظَنَّهُ المُنَافِقُوْنَ وَالمُشْرِكُوْنَ فِي سُوْرَةِ الفَتْحِ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا ظَنَّ السُّوْءَ؛ لِأَنَّهُ ظَنُّ غَيْرِ مَا يَلِيْقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَمَا يَلِيْقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَوَعْدِهِ الصَّادِقِ.
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدِيْلُ البَاطِلَ عَلَى الحَقِّ إِدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا الحَقُّ، أَوْ أَنْكَرَ أَنَّ مَا جَرَى بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُوْنَ قَدَرُهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الحَمْدَ - بَلْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَشِيئَةٍ مُجَرَّدَةٍ -; فَذَلِكَ ظَنُّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ.
وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّوْنَ بِاَللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ فِيْمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَفِيْمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ وَأَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَمُوْجَبَ [1] حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ.
فَلْيَعْتَنِ اللَّبِيْبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا، وَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ، وَلْيَسْتَغْفِرْهُ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَلَوْ فَتَّشْتَ مَنْ فَتَّشْتَّ لَرَأَيْتُ عِنْدَهُ تَعَنُّتًا عَلَى القَدَرِ وَمَلَامَةً لَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ كَذَا وَكَذَا، فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفَتِّشْ نَفْسَكَ هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ؟ فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيْمَةٍ وَإِلَّا فَإِنِّي لَا إِخَالُكَ [2] نَاجِيًا). (3)

[1] بِالفَتْحِ: هُوَ المُسَبَّبُ النَاتِجُ عَنِ السَّبَبِ بِمَعْنَى المُقْتَضَى.
[2] أَيْ: أَظُنُّكَ.
(3) وَتَتِمَّةُ كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللهُ فِي (زَّادِ المَعَادِ) (207/ 3): (وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِمَا ظَاهِرُهُ بَاطِلٌ وَتَشْبِيْهٌ وَتَمْثِيْلٌ؛ وَتَرْكَ الحَقَّ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ؛ وَإِنَّمَا رَمَزَ إلَيْهِ رُمُوْزًا بَعِيْدَةً؛ وَأَشَارَ إلَيْهِ إِشَارَاتٍ مُلْغزَةً؛ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَصَرَّحَ دَائِمًا بِالتّشْبِيْهِ وَالتّمْثِيْلِ وَالبَاطِلِ؛ وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُتْعِبُوا أَذْهَانَهُمْ وَقُوَاهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ فِي تَحْرِيْفِ كَلَامِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَأْوِيْلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيْلِهِ؛ وَيَتَطّلَبُوا لَهُ وُجُوْهَ الِاحْتِمَالَاتِ المُسْتَكْرَهَةِ وَالتَّأْوِيْلَاتِ - الَّتِيْ هِيَ بِالأَلْغَازِ وَالأَحَاجِي أَشْبَهُ مِنْهَا بِالكَشْفِ وَالبَيَانِ - وَأَحَالَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى عُقُوْلِهِمْ وَآرَائِهِمْ لَا عَلَى كِتَابِهِ؛ بَلْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُوْنَ مِنْ خِطَابِهِمْ وَلُغَتِهِمْ - مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَرِّحَ لَهُمْ بِالحَقِّ الَّذِيْ يَنْبَغِي التّصْرِيْحُ بِهِ وَيُرِيحَهُمْ مِنَ الأَلْفَاظِ الَّتِيْ تُوقِعُهُمْ فِي اعْتِقَادِ البَاطِلِ -؛ فَلَمْ يَفْعَلْ! بَلْ سَلَكَ بِهِمْ خِلَافَ طَرِيْقِ الهُدَى وَالبَيَانِ! فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السّوْءِ.
فَإِنَّهُ إنْ قَالَ: إنّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى التَّعْبِيْرِ عَنِ الحَقِّ بِاللّفْظِ الصَّرِيْحَ - الَّذِيْ عَبّرَ بِهِ هُوَ وَسَلَفُهُ! - فَقَدْ ظَنَّ بِقُدْرَتِهِ العَجْزَ، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ قَادِرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ، وَعَدَلَ عَنِ البَيَانِ وَعَنِ التَّصْرِيْحِ بِالحَقِّ إلَى مَا يُوْهِمُ بَلْ يُوقِعُ فِي البَاطِلِ المُحَالِ وَالِاعْتِقَادِ الفَاسِدِ! فَقَدْ ظَنَّ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ وَسَلَفُهُ عَبَّرُوا عَنِ الحَقِّ بِصَرِيْحِهِ دُوْنَ اللهِ وَرَسُوْلِهِ؛ وَأَنَّ الهُدَى وَالحَقَّ فِي كَلَامِهِمْ وَعِبَارَاتِهِمْ؛ وَأَمّا كَلَامُ اللهِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِهِ التّشْبِيْهُ وَالتّمْثِيْلُ وَالضَّلَالُ وَظَاهِرُ كَلَامِ المُتَهَوِّكِيْنَ! ظَنَّ السَّوْءِ، وَمِنْ الظَّانِّيْنَ بِهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 454
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست