responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 436
الشَّرْحُ
- هَذَا البَابُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فِي بَيَانِ مُكَمِّلَاتِ التَّوْحِيْدِ، وَبَيَانِ الأَدَبِ الأَكْمَلِ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الأَلْفَاظِ الَّتِيْ يَكُوْنُ الأَوْلَى فِيْهَا إِطْلَاقُهَا عَلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، فَيَكُوْنُ نَهْيًا عَنِ التَّطَاوُلِ فِي الأَلْفَاظِ، كَمَا فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ (لَا يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي؛ كُلُّكُمْ عَبِيْدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ؛ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي).
- النَّهْيُ فِي هَذَا الحَدِيْثِ هُوَ لِلكَرَاهَةِ وَلَيْسَ لِلتَّحْرِيْمِ، وَقَد أَوْرَدَهُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيْحِهِ وَأَرْفَقَ مَعَهُ فِي التَّبْوِيْبَ مَا يَدُلُّ عَلَى الكَرَاهَةِ فَقَط. (1)
- فِي الحَدِيْثِ الإِرْشَادُ إِلَى إِطْلَاقِ لَفْظِ (سَيِّدِكَ) وَ (سَيِّدِي) وَ (مَولَايَ) عِوَضًا عَنْ (رَبِّكَ) وَ (رَبِّي) - لِلمَالِكِ - رُغْمَ أَنَّ المَقْصُوْدَ وَاحِدٌ! وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ لَفْظَةِ (الرَّبِّ) عَلَى اللهِ وَحْدَهُ؛ كَانَ الأَوْلَى عَدَمُ إِطْلَاقِهَا عَلَى الخَلْقِ. (2)
وَأَيْضًا فِي الحَدِيْثِ الإِرْشَادُ إِلَى إِطْلَاقِ لَفْظِ (غُلَامِي) وَ (فَتَايَ) عِوَضًا عَنْ (عَبْدِي) وَ (أَمَتِي) - لِلمَمْلُوْكِ - رُغْمَ أَنَّ المَقْصُوْدَ وَاحِدٌ! وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ لَفْظَةِ العُبُوْدِيَّةِ عَلَى التَّأَلُّهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ كَانَ الأَوْلَى عَدَمُ إِطْلَاقِهَا إِلَّا بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ للهِ تَعَالَى.
- قَوْلُهُ (سَيِّدِي): السِّيَادَةُ فِي الأَصْلِ عُلُوُّ المَنْزِلَةِ; لِأَنَّهَا مِنَ السُّؤْدُدِ وَالشَّرَفِ وَالجَاهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالسَّيِّدُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: المَالِكُ، وَالزَّوْجُ، وَالشَّرِيْفُ المُطَاعُ.
- قَد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ النَّهيَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ وَلَيْسِ لِلكَرَاهَةِ، وَأَجَابُوا عَنِ الأَدِلَّةِ الَّتِيْ فِيْهَا ذِكْرُ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى المَخْلُوْقِ؛ وَالعُبُوْدِيَّةِ مُضَافَةً إِلَى الغُلَامِ؛ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا، وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَقَد نُهِيَ عَنْهُ [3]، وَعَلَيْهِ يَكُوْنُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ.
وَهُوَ جَوَابٌ مُتَوَجِّهٌ لَوْلَا أَنَّ فِي شَرْعِنَا مَا دَلَّ عَلَى مِثْلِ مَا جَاءَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا، فَوَجَبَ الحَمْلُ عَلَى الجَوَازِ مَعَ الكَرَاهَةِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (4)

(1) البُخَارِيِّ (139/ 3)، بَابُ (كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ أَمَتِي، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النُّوْر:32)، وَقَالَ: {عَبْدًا مَمْلُوْكًا} (النَّحْل:75)، وَ {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابِ} (يُوْسُف:25)، وَقَالَ: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ} (النِّسَاء:25)، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُوْمُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ) وَ {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (يُوْسُف:42) عِنْدَ سَيِّدِكَ، وَ (مَنْ سَيِّدُكُمْ؟)).
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ؛ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ؛ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: (إِذَا نَصَحَ العَبْدُ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ؛ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ).
(2) النَّهيُ هُنَا - كَمَا سَيَأْتِي - هُوَ لِلكَرَاهَةِ، وَلَكِنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ (الرَّبِّ) هَكَذَا مُفْرَدًا دَوْنَ إِضَافَةٍ هُوَ لِلتَّحْرِيْمِ، لِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الرَّبُّ أَصْلًا، فَـ (أَلُّ التَّعْرِيْفِ) هُنَا مَحْمُوْلَةٌ عَلَى الاسْتِغْرَاقِ، وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ إِلَّا جَنَابَ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الأَذْكَارُ) (363): (قَالَ العُلَمَاءُ: لَا يُطْلَقُ الرَّبُّ - بِالأَلِفِ وَاللَّامِ - إِلَاّ عَلَى اللهِ تَعَالَى خَاصَّةً، فَأَمَّا مَعَ الإِضَافَةِ فَيُقَالُ: رَبُّ المَالِ، وَرَبُّ الدَّارِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ فِي ضَالَّةِ الإِبِلِ (دَعْهَا حتَّى يَلْقاهَا رَبُّهَا)).
قُلْتُ: وَالحَدِيْثُ الأَخِيْرُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ (91)، وَمُسْلِمٌ (1722) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوْعًا.
[3] قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (118/ 15): (فَإِنْ قِيْلَ: لَا رَيْبَ أَنَّ يُوْسُفَ سَمَّى السَّيِّدَ رَبًّا فِي قَوْلِهِ {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} وَ {ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ} وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ؛ كَمَا جَازَ فِي شَرْعِهِ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ؛ وَكَمَا جَازَ فِي شَرْعِهِ أَنْ يُؤْخَذَ السَّارِقُ عَبْدًا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَنْسُوْخًا فِي شَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
(4) قَالَ الحَافِظِ العِرَاقِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (طَرْحُ التَّثْرِيْبِ) (223/ 6): (هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ دُوْنَ التَّحْرِيْمِ، وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيْعُ العُلَمَاءِ حَتَّى أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ فَبَوَّبَ (بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيْقِ)).
قُلْتُ: وَأَيْضًا حَمَلَ بَعْضُ أَهْلِ الِعِلْمِ النَّهْيَ عَلَى مَا كَانَ بِلَفْظِ الخِطَابِ، وَأَجَازَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الغَيْبَةِ. وَلَكِنْ مَا أَثْبَتْنَاهُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الجَمْعِ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 436
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست