responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 408
المُلْحَقُ الثَّامِنُ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ) مُخْتَصَرُ كِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ)
الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ فَهَذَا مُخْتَصَرٌ مُفِيْدٌ لِكِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ) لِشَيْخِنَا المُحَدِّثِ الأَلبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَضَفْتُ إِلَيْهِ بَعْضَ الفَوَائِدِ إِلَى مَتْنِهِ وإلى حَاشِيَتِهِ تَتْمِيْمًا لِلفَائِدَةِ.

- الفَصْلُ الأَوَّلُ: التَّوَسُّلُ فِي اللُّغَةِ وَالقُرْآنِ:
1) مَعْنَى التَّوَسُّلِ فِي لُغَةِ العَرَبِ: قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ): (مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ، وَجَمْعُهَا وَسَائِلُ). (1)
وَقَالَ فِي القَامُوْسِ المُحِيْطِ [2]: (وَسَلَ إِلَى اللهِ تَعَالَى تَوْسِيْلًا: عَمِلَ عَمَلًا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْهِ كَتَوَسَّلَ).
وَهُنَاكَ مَعْنَىً آخَرُ لِلوَسِيْلَةِ؛ وهيَ المَنْزِلَةُ عِنْدَ المَلِكِ، وَالدَّرَجَةُ وَالقُرْبَةُ. (3)
2) مَعْنَى الوَسِيْلَةِ فِي القُرْآنِ:
وَرَدَتْ لَفْظَةُ - الوَسِيْلَةِ - فِي مَوضِعَيْنِ، وَهُمَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَة وَجَاهِدُوا فِي سَبِيْلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ} (المَائِدَة:35)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيْلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُوْنَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوْرًا} (الإِسْرَاء:57).
فَأَمَّا الآيَةُ الأُوْلَى؛ فَقَد قَالَ إِمَامُ المُفَسِّريْنَ الحَافِظُ ابْنُ جَرِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تًفْسِيْرِهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ صَدَّقُوا اللهَ وَرَسُوْلَهُ فِيْمَا أَخْبَرَهُم وَوَعَدَ مِنَ الثَّوَابِ وَأَوْعَدَ مِنَ العِقَابِ؛ {اتَّقُوا اللهَ} يَقُوْلُ: أَجِيْبُوا اللهَ فِيْمَا أَمَرَكُم وَنَهَاكُم بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ. {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَةَ} يَقُوْلُ: وَاطْلُبُوا القُرْبَةَ إِلَيْهِ بِالعَمَلِ بِمَا يُرْضِيْهِ). (4)
وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ فَقَد بَيَّنَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيْلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُنَاسَبَةَ نُزُوْلِهَا الَّتِيْ تُوَضِّحُ مَعْنَاهَا فَقَالَ: (نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ العَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ، فَأَسْلَمَ الجِنِّيُّوْنَ - وَالإِنْسُ الَّذِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَهُم لَا يَشْعُرُوْنَ! -). (5)
وَهيَ صَرِيْحَةٌ فِي أَنَّ المُرَادَ بِالوَسِيْلَةِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: {يَبْتَغُوْنَ} أَيْ: يَطْلُبُوْنَ مَا يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
3) الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَحْدَهَا هِيَ الوَسَائِلُ المُقَرِّبَةُ إِلَى اللهِ:
قَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ العَمَلَ حَتَّى يَكُوْنَ صَالِحًا مَقْبُوْلًا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَوَفَّرَ فِيْهِ أَمْرَانِ هَامَّانِ عَظِيْمَانِ، أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ صَاحِبُهُ قَد قَصَدَ بِهَ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَثَانِيَهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ مُوَافِقًا لِمَا شَرَعَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ، أَوْ بَيَّنَهُ رَسُوْلُهُ فِي سُنَّتِهِ، فَإِذَا اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَينِ الشَّرْطَيْنِ لَمْ يَكُنِ العَمَلُ صَالِحًا وَلَا مَقْبُوْلًا.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكَهْف:110) فَقَد أَمَرَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ العَمَلُ صَالِحًا، أَيْ: مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُخْلِصَ بِهِ صَاحِبُهُ للهِ، لَا يَبْتَغي بِهِ سِوُاهُ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [6]: (وَهَذَانَ رُكْنَا العَمَلِ المُتَقَبَّلِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُوْنَ خَالِصًا لِلَّهِ، صَوَابًا عَلَى شَرِيعَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ [7] وَغَيْرِهِ.

(1) النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ (402/ 5).
وَقَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (11/ 724): (الوَسِيْلةُ: المَنْزِلَةُ عِنْدَ المَلِكِ، وَالوَسِيْلةُ الدَّرَجَةُ، وَالوَسِيْلَةُ القُرْبَةُ، وَوَسَّلَ فُلَانٌ إِلَى اللهِ وَسِيْلَةً: إِذَا عَمِلَ عَمَلًا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيْلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (الإِسْرَاء:57)، وَفِي حَدِيْثِ الأَذَانِ (اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيْلَةَ) هيَ فِي الأَصْلِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ، وَالمُرَادُ بِهِ فِي الحَدِيْثِ: القُرْبُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَقِيْلَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَقِيْلَ: هِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ).
[2] القَامُوْسُ المُحِيْطُ (ص1068).
(3) كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ تَسْمِيَةُ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الجَنَّةِ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ؛ فَقُوْلُوا مِثْلَ مَا يَقُوْلُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ؛ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الوَسِيْلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (384) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو.
(4) تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (289/ 10).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ: ({وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَةَ} (قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَي القُرْبَةَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدُ وَأَبُو وَائِلٍ وَالحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ،
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَالعَمَلِ بِمَا يُرْضِيْهِ، وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبّهمُ الوَسِيْلَةَ}. وَهَذَا الَّذِيْ قَالَهُ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةُ لَا خِلَافَ بَيْنَ المُفَسِّرِيْنَ فِيْهِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَيْهِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
(إِذَا غَفَلَ الوَاشُوْنَ عُدْنَا لِوصْلنَا ... وَعَادَ التَّصَافِي بَيْنَنَا وَالوَسَائِلُ)
وَالوَسِيْلَة: هِيَ الَّتِيْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى تَحْصِيْلِ المَقْصُوْدِ، وَالوَسِيْلَةُ أَيْضًا: عَلَمٌ عَلَى أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الجَنَّةِ؛ وَهِيَ مَنْزِلَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَارُهُ فِي الجَنَّةِ، وَهِيَ أَقْرَبُ أَمْكِنَةِ الجَنَّةِ إِلَى العَرْشِ).
(5) البُخَارِيُّ (4714).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (397/ 8): (اسْتَمَرَّ الإِنْسُ الَّذِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ الجِنَّ عَلَى عِبَادَةِ الجِنِّ - وَالجِنُّ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ أَسْلَمُوا - وَهُمُ الَّذِيْنَ صَارُوا يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيْلَةَ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ؛ فَزَادَ فِيْهِ (وَالإِنْسُ الَّذِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَهُمْ لَا يَشْعُرُوْنَ بِإِسْلَامِهِمْ) وَهَذَا هُوَ المُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيْرِ هَذِهِ الآيَةِ).
[6] (205/ 5).
[7] رَوَاهُ الأَصْبَهَانِيُّ فِي الحِلْيَةِ (95/ 8).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 408
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست