responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 40
- قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ [1]: وَهَذَا البَابُ يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الأَسْبَابِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أُمُوْرٍ:
1) أَنْ لَا يَجْعَلَ مِنْهَا سَبَبًا إِلَّا مَا ثَبَتَ أَنَّه سَبَبٌ شَرْعًا أَوْ قَدَرًا.
2) أَنْ لَا يَعْتَمِدَ العَبْدُ عَلَيْهَا، بَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى مُسَبِبِهَا وَمُقَدِّرِهَا، مَعَ قِيَامِهِ بِالمَشْرُوْعِ مِنْهَا، وَحِرْصِهِ عَلَى النَّافِعِ مِنْهَا.
3) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الأَسْبَابَ مُرْتَبِطَةٌ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَاللهُ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيْهَا كَيْفَ يَشَاءُ؛ إِنْ شَاءَ أَبْقَى سَبَبِيَّتَهَا جَارِيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيَّرَهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَفِي هَذَا فَائِدَةٌ عَظِيْمَةٌ لِلعِبَادِ فِي أَنْ لَا يَعْتَمِدوا عَلَيْهَا، وَلِيَعْلَمُوا كَمَالَ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ.
- فِي المَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنَّهُ لَمْ يُعْذَرْ بِالجَهَالَةِ): هَذَا فِيْهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا) لَيْسَ بِصَرِيْحٍ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ العِلْمِ، بَلْ ظَاهِرُهُ: بَعْدَ أَنْ عَلِمْتَ وَأُمِرْتَ بِنَزْعِهَا. (2)
- يُشْرَعُ عِنْدَ الإِصَابَةِ بِالعَيْنِ فِعْلُ الرُّقْيَةِ بَدَلًا مِنْ تَعْلِيْقِ التَّمَائِمِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ قَالَتْ: (أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ) [3]، وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا حَدِيْثُ (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةِ).
وَالرُّقيَةُ هِيَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَهُوَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا لِرَدِّ البَلَاءِ قَبْلَ وُقُوْعِهِ أَصْلًا، كَمَا فِي حَدِيْثِ ثَوْبَان مَرْفُوْعًا (لَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيْدُ فِي العُمُرِ إِلَّا البِرُّ) [4]، فَتأمَّلْ قَوْلَهُ (لَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعَاُء) حَيْثُ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْي يُفِيْدُ الحَصْرَ.
وَفِي الحَدِيْثِ (الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزَلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ) [5]، فَهُوَ صَرِيْحٌ فِي دَفْعِ البَلَاءِ وَرَفْعِهِ.
- فِي قَوْلِهِ (فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا): أَيْ: لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا مَا أَفْلَحَ أَبَدًا، فَهُوَ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ حَتَّى وَلَوْ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرًا، فَهُوَ يُعذَّبُ بِهِ - وَإِنْ كَانَ لَا يعذَّبُ تَعْذِيْبَ المُشْرِكِ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ - فَهُوَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، لَكِنْ يُعَذَّبُ بِهِ بِقَدَرِهِ [6]، فَفِيْهِ شَاهِدٌ لِكَلَامِ الصَّحَابَةِ: أَنَّ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ أَكْبَرُ مِنَ الكَبَائِرِ. (7)

[1] القَوْلُ السَّدِيْدُ (ص42).
(2) أَفَادَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (173/ 1).
[3] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5738)، وَمُسْلِمٌ (2195).
[4] صَحِيْحٌ. ابْنُ مَاجَه (4022). وَالحَدِيْثُ بِهَذَا القَدْرِ صَحِيْحٌ. الصَّحِيْحَةُ (154).
[5] حَسَنٌ. الحَاكِمُ (1815) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحٌ الجَامِعِ (3409).
[6] قَالَهُ الشَّيْخُ الفَوْزَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِعَانَةُ المُسْتَفِيْدِ) (191/ 1).
قُلْتُ: وَفِي القَوْلِ بِعَدَمِ مَغْفِرَةِ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ - إِلَّا بِالتَّوْبَةِ - خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (تَلْخِيْصُ كِتَابِ الاسْتِغَاثَةِ) المَعْرُوْفِ بِاسْمِ (الرَّدُ عَلَى البَكْرِيِّ) (ص301): (وَقَدْ يُقَالُ: الشِّرْكُ لَا يُغْفَرُ مِنْهُ شَيْءٌ لَا أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ؛ عَلَى مُقْتَضَى عُمُوْمِ القُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ يَمُوْتُ مُسْلِمًا؛ لَكِنَّ شِرْكَهُ لَا يُغْفَرُ لَهُ؛ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الجَنَّةَ).
(7) وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ} (البَقَرَة:22).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 40
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست