responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 381
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- المَسْأَلَةُ الأُوْلَى) هَلِ الدَّهْرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي الحَدِيْثِ الَّذِيْ فِي الصَّحِيْحِ (قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِيْنِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ - وَأَنَا الدَّهْرُ - أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)؟ (1)
الجَوَابُ: الدَّهْرُ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ اللهِ، وَلَيْسَ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
1) أَنَّ سِيَاقَ الحَدِيْثِ يَأْبَاهُ، بَلْ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ المَقْصُوْدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ المُتَصَرِّفُ بِالدَّهْرِ نَفْسِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ (بِيَدِي الأَمْرُ؛ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ هُوَ الزَّمَنُ وَهُوَ الدَّهْرُ نَفْسُهُ، فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ يُقَلِّبُهُما. (2)
2) أَنَّ الزَّمَنَ مَخْلُوْقٌ كَالمَكَانِ، وَاللهُ هُوَ الَّذِيْ خَلَقَهُ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيْهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُوْنَ} (يُوْنُس:67)،
وَقَالَ أَيْضًا سُبْحَانَهُ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} (إِبْرَاهِيْم:33).
فَالإِخْبَارُ عَنِ الجَعْلِ - وَهُوَ الخَلْقُ هُنَا - وَالتَّسْخِيْرِ دَلِيْلٌ عَلَى كَوْنِهِ مَخْلُوْقًا مِنْ جُمْلَةِ المَخْلُوْقَاتِ. (3)
3) أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى كُلُّهَا حُسْنَى، أَيْ: بَالِغَةٌ فِي الحُسْنِ أَقْصَاهُ، وَهِيَ مُتضمِّنةٌ لِصِفَاتِ الكَمَالِ، أَمَّا الدَّهْرُ فَهُوَ اسْمٌ جَامِدٌ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَىً يَتَفَاضَلُ أَصْلًا، فَلَيسَ فِيْهِ مَدْلُوْلٌ لِلحُسْنِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى. (4)

(1) قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (494/ 2): (وَالقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ وَالصُّوفِيَّةِ: إنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ القَدِيْمُ الأَزَلِيُّ، وَرَوَوْا فِي بَعْضِ الأَدْعِيَةِ: (يَا دَهْرُ، يَا دَيْهُوْرُ، يَا دَيْهَارُ). وَهَذَا المَعْنَى صَحِيْحٌ، لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الأَوَّلُ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الآخِرُ لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، فَهَذَا المَعْنَى صَحِيْحٌ، إنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ يُسَمَّى دَهْرًا).
(2) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ المُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ الحَدِيْثِ، وَهَذِهِ الطَّرِيْقَةُ مِنَ الكَلَامِ شَائِعَةُ الاسْتِخْدَامِ، كَمَا يُقَالُ عَنِ الرَّجُلِ العَظِيْمِ الشَّأْنِ المُتَصَرِّفِ فِي الدَّوْلَةِ أَنَّهُ دَوْلَةٌ، وَعَنْ رَئِيْسِ الشُّرْطَةِ أَنَّهُ هُوَ الشُّرْطَةَ.
(3) وَلَمْ نَسْتَدِلَّ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوْرًا} (الفُرْقَان:62) - كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الأَفَاضِلِ - وَذَلِكَ لِأَنَّها لَا تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى المَقْصُوْدِ، ذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ (جَعَلَ) إِذَا تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُوْلَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الخَلْقِ؛ وَإنَّمَا عَلَى التَّصْيِيْرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (الزُّخْرُف:3)، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُوْلٍ وَاحِدٍ فَقَط؛ فَإِنَّ مَعْنَاهَا (الخَلْقُ). وَالحَمْدُ للهِ.
(4) وَهُنَاكَ وَجْهٌ أَخَرُ فِي الرَّدِّ بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّهْرُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الكُفَّارِ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} خَطَأً! فَتَأَمَّلْ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 381
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست