responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 380
الشَّرْحُ
- إِنَّ سَبَّ الدَّهْرِ يُنَافي كَمَالَ التَّوْحِيْدِ، وَيَعُوْدُ عَلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا بِالإِيْذَاءِ؛ لِأَنَّه سَبٌّ لِمَنْ تَصَرَّفَ بِهَذَا الدَّهْرِ.
وَفِي الحَدِيْثِ (مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ؛ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ). (1)
- الآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ نِسْبَةَ الأَشْيَاءِ إِلَى الدَّهْرِ اسْتِقْلَالًا هِيَ مِنْ خِصَالِ المُشْرِكِيْنَ أَعْدَاءِ التَّوحِيْدِ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ المُعْتَزِّ ([2]):
(يَا دَهْرُ وَيْحَكَ مَا أَبْقَيْتَ لِيْ أَحَدًا ... وَأَنْتَ وَالِدُ سُوْءٍ تَأْكُلُ الوَلَدَ). (3)
فَلَا تَصِحُّ نِسْبَةُ الإِهْلَاكِ إِلَى الدَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوْقٌ مَرْبُوْبٌ؛ لَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ لَا فِي غَيْرِهِ وَلَا فِي نَفْسِهِ أَصْلًا، بَلِ اللهُ جَلَّ وَعَلَا هُوَ الَّذِيْ يُحْيِي وَيُمِيْتُ؛ وَيَقْضِي فِيْهِ بِمَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّ الأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ عَوْدَةُ مَسَبَّةِ الدَّهْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنَّمَا تَأْوِيْلُهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: أَنَّ العَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَذُمَّ الدَّهْرَ وَتَسُبَّهُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ - مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَرِمٍ أَوْ تَلَفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - فَيَقُولُوْنَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا الدَّهْرُ - وَهُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ -، وَهُمَا الفَنَتَانِ وَالجَدِيدَانِ، فَيَقُولُوْنَ: أَصَابَتْهُمْ قَوَارِعُ الدَّهْرِ، وَأَبَادَهُمُ الدَّهْرُ، وَأَتَى عَلَيْهِمْ، فَيَجْعَلُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ اللَّذَيْنِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَيَذُمُّوْنَ الدَّهْرَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُفْنِينَا وَيَفْعَلُ بِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ) عَلَى أَنَّهُ يُفْنِيْكُمْ وَالَّذِي يَفْعَلُ بِكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ!! فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّمَا تَسُبُّوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ فَاعِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ). [4] (5)
- إِنَّ سَبَّ الدَّهْرِ - أَوْ وَصْفَهُ - يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ([6]):
1) أَنْ يَقْصِدَ الخَبَرَ المَحْضَ دُوْنَ اللَّوْمِ، فَهَذَا جَائِزٌ، ومِنْهُ قَوْلُ لُوْطٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوْطًا سِيْءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيْبٌ} (هُوْد:77). (7)
2) أَنْ يَسُبَّ الدَّهْرَ عَلَى أَنَّه هُوَ الفَاعِلُ. كَأَنْ يَعْتَقِدَ بِسَبِّهِ الدَّهْرَ؛ أَنَّ الدَّهْرَ هُوَ الَّذِيْ يُقَلِّبُ الأُمُوْرَ إِلَى الخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرٌ لِأَنَّه اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللهِ خَالِقًا، وَلِأَنَّهُ نَسَبَ إِيْجَادَ الحَوْادِثِ إِلَى غَيْرِ اللهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الضَّلَالِ نِسْبَةُ الإِمَاتَةِ إِلَى الدَّهْرِ فِي قَوْلِ المُشْرِكِيْنَ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (الجَاثِيَة:24).
3) أَنْ يَسُبَّ الدَّهْرَ - لَا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ هُوَ الفَاعِلَ - بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ هُوَ الفَاعِلُ، لَكِنْ يَسُبُّهُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِهَذَا الأَمْرِ المَكْرُوْهِ عِنْدَهُ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ، وَهُوَ مَقْصُوْدُ المُصَنِّفِ فِي هَذَا البَابِ.

(1) صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (4908) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (528).
[2] هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ المُعْتَزُّ بِاللهِ بْنُ المُتَوَكِّلِ بْنِ المُعْتَصِمِ بْنِ الرَّشيْدِ العَبَّاسِيُّ، أَبُو العَبَّاسِ، (ت 296 هـ).
(3) اُنْظُرْ كِتَابَ (البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ) (713/ 14) لِلحَافِظِ ابْنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ.
[4] مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالآثَارِ لِلبَيْهَقِيِّ (203/ 5).
(5) قَالَ ابْنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (صَيْدُ الخَاطِرِ) (ص 407): (وَرُبَّمَا جَعَلُوا اللهَ الدُّنْيَا، وَيَقُوْلُوْنَ: فَعَلَتْ وَصَنَعَتْ!).
[6] أَفَادَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (240/ 2)؛ بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
(7) قُلْتُ: الأَوْلَى فِي هَذَا النَّوعِ أَنْ يُسَمَّى وَصْفًا وَلَا يُسَمَّى سَبًّا، كَمَا قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ المَجِيْدِ رَحِمَهُ اللهُ (ص425): (وَلَيسَ مِنْهُ وَصْفُ السِّنِيْنَ بالشِّدَّةِ وَنَحوِ ذَلكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} (يُوْسُف:48)).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 380
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست