responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 358
- بَيَانُ أَدِلَّةِ العُلُوِّ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالعَقْلِ وَالفِطْرَةِ وَالإِجْمَاعِ:
1) أَمَّا دِلَالَةُ الكِتَابِ، فَقَدْ تَنَوَّعَتْ دِلَالتُهُ عَلَى ذَلِكَ:
أ) تَارَةً بِلَفْظِ العُلُوِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيْمُ} (البَقَرَة:255)،
وَالفَوْقِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأَنْعَام:18)،
وَالاسْتِوَاءِ عَلَى العَرْشِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (طَه:5)،
وَكَوْنِهِ فِي السَّمَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْض} (المُلْك:16). [1] (2)
ب) وَتَارَةً بِلَفْظِ صُعُوْدِ الأَشْيَاءِ وَعُرُوْجِهَا وَرَفْعِهَا إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} (فَاطِر:10)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوْحُ إِلَيْهِ} (المَعَارِج:[4])، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيْسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (آلِ عِمْرَان:55).
ج) وَتَارَةً بِلَفْظِ نُزُوْلِ الأَشْيَاءِ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوْحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّك} (النَّحْل:102)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} (السَّجْدَة:5). [3] (4)

[1] قَالَ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ) (324/ 2): (بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (المُلْك:16) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ؛ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوْبَ الفَقِيْهُ: قَدْ تَضَعُ العَرَبُ (فِي) بِمَوْضِعِ (عَلَى)، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَسِيْحُوا فِي الأَرْضِ} (التَّوْبَة:2) وَقَالَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوْعِ النَّخْلِ} (طَه:71) وَمَعْنَاهُ: عَلَى الأَرْضِ وَعَلَى النَّخْلِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {في السَّمَاءِ} أَيْ: عَلَى العَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ).
(2) وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ المَقْصُوْدَ فِي الآيَةِ الأَخِيْرَةِ المَلَائِكَةَ! فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أ) قَوْلُهُ تَعَالَى (أَفَأَمِنَ الَّذِيْنَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُوْنَ) (النَّحْل:45) حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ الفَاعِلُ سُبْحَانَهُ لِلخَسْفِ وَلَيْسَ المَلَائِكَةَ.
ب) أَنَّهَا عَلَى فَرْضِ كَوْنِ المَقْصُوْدِ بِهَا المَلَائِكَةُ، فَنَقُوْلُ قَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ المَلَائِكَةَ عِنْدَهُ، فَيَكُوْنُ ذَلِكَ دَلِيْلًا عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِيْنَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُوْنَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُوْنَهُ وَلَهُ يَسْجُدُوْنَ} (الأَعْرَاف:206).
[3] قُلْتُ: وَأَمَّا اعْتِرَاضُ بَعْضِهِم بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ إِنْزَالَ الحَدِيْدِ وَالأَنْعَامِ وَالمَطَرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِثْلُ إِنْزَالِ القَرْآنِ؛ فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى العُلُوِّ!
فَالجَوَابُ:
أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الإِنْزَالَ - فِي القُرْآنِ - عَلَى ثَلَاثِةِ أَشْكَالٍ:
أ) إِنْزَالٌ مُطْلَقٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا الحَدِيْدَ فِيْهِ بَأْسٌ شَدِيْدٌ} (الحَدِيْد:25) فَأَطْلَقَ الإِنْزَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَبْدأَهُ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (الزُّمَر:6).
ب) الإِنْزَالُ مِنَ السَّمَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوْرًا} (الفُرْقَان:48).
ج) إِنْزَالٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، كَقَوْلِهِ {تَنْزِيْلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيْزِ الحَكِيْمِ} (الزُّمَر:1)، وَقَوْلِهِ {قُلْ نَزَّلَهُ رُوْحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَهُدَىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِيْنَ} (النَّحْل:102)، وَقَالَ أَيْضًا: {وَالَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ فَلَا تَكُوْنَنَّ مِنَ المُمْتَرِيْنَ} (الأَنْعَام:114).
فَهَذَا الإِنْزَالُ مِنْ عِنْدِهِ خَصَّهُ اللهُ تَعَالَى بِالقُرْآنِ خِلَافًا لِمَا سَبَقَ مِنَ الأَنْوَاعِ، فَلَا تَصِحُّ مُعَارَضَتُهُ بِمَا سَبَقَ مِنَ الأَمْثِلَةِ وَالحَمْدُ للهِ. اُنْظرْ كِتَابَ (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ فِي الأَجْوِبَةَ النَّجْدِيَّةِ) (377/ 3).
[4] قُلْتُ: وَأَيْضًا هُنَاكَ أَوْجُهٌ أُخَرُ، مِنْهَا:
أ) الإِخْبَارُ عَنِ الأُمَمِ المَاضِيَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ لِهَامَانَ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوْسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (غَافِر:37).
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ الطَبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (387/ 21): (وَقَوْلُهُ {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} يَقُوْلُ: وَإِنِّي لَأَظُنُّ مُوْسَى كَاذِبًا فِيْمَا يَقُوْلُ وَيَدَّعِي مِنْ أَنَّ لَهُ فِي السَّمَاءِ؛ رَبًّا أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا).
قَالَ ابْنُ أَبِي العِزِّ الحَنَفِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ (ص287) - بَعْدَ إِيْرَادِ وَجْهِ الدِّلَالَةِ مِنَ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ -: (فَمَنْ نَفَى العُلُوَّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ فَهُوَ فِرْعَوْنِيٌّ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ فَهُوَ مُوْسَوِيٌّ مُحَمَّدِيٌّ).
ب) الإِخْبَارُ بِـ (عِنْدَ) - حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ المَلَائِكَةَ فِي السَّمَاءِ -كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُوْنَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:19).
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِيْنَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُوْنَهُ وَلَهُ يَسْجُدُوْنَ} (الأَعْرَاف:206).
ج) تَشْبِيْهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَدِيْثِ البُخَارِيِّ (806)، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ (أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: (هَلْ تُمَارُوْنَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟) قَالُوا: لَا يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَالَ: (فَهَلْ تُمَارُوْنَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، ....)). فَالتَّشْبِيْهُ فِي الرُّؤْيَةِ فِيْهِ ثَلَاثَةُ جَوَانِبَ هِيَ: الوُضُوْحُ لِلرَّائِي (لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ)، العُلُوُّ لِلمَرْئِيِّ (عُلُوُّ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ)، النَّظَرُ إِلَى العُلُوِّ (النَّظَرُ إِلَى السَّمَاءِ وَالقَمَرِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 358
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست