responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 357
6) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الحَدِيْثِ القُدُسِيِّ: (وَلَا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِيْ يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِيْ يَمْشِيْ بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ). صَحِيْح البُخَارِيِّ. (1)
وَقَدْ أَخَذَ السَّلَفُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ وَأَقَرُّوْهُ عَلَى حَقِيْقَتِهِ، وَلَكِنْ مَا ظَاهِرُ هَذَا الحَدِيْثِ؟ هَلْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَكُوْنُ سَمْعَ الوَلِيِّ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ؟ أَوْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَدِّدُ الوَلِيَّ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ بِحَيْثُ يَكُوْنُ إِدْرَاكُهُ وَعَمَلُهُ للهِ وَبِاللهِ وَفِي اللهِ؟
وَلَا رَيْبَ أَنَّ القَوْلَ الأَوَّلَ لَيْسَ هُوَ ظَاهِرُ الكَلَامِ؛ بَلْ وَلَا يَقْتَضِيْهِ الكَلَامُ لِمَنْ تَدَبَّرَ الحَدِيْثَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: (وَلَا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ...)، وَقَالَ: (وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ) فَأَثْبَتَ عَبْدًا وَمَعْبُوْدًا، وَمُتَقَرِّبًا وَمُتَقَرَّبًا إِلَيْهِ، وَمُحِبًّا وَمَحْبُوْبًا، وَسَائِلًا وَمَسْئُوْلًا، وَمُعْطِيًا وَمُعْطَىً، وَمُسْتَعِيْذًا وَمُسْتَعَاذًا بِهِ، فَسِيَاقُ الحَدِيْثِ يَدُلُّ عَلَى اثْنَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ؛ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الآخَرِ.
وَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ القَوْلِ الأَوَّلِ وَامْتِنَاعُهُ تَعَيَّنَ القَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الحَدِيْثِ حَيْثُ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الإِثَابَةِ وَالإِعَانَةِ - وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَدِّدُ هَذَا الوَلِيَّ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَذَا مَا فَسَّرَهُ بِهِ السَّلَفُ، وَهُوَ تَفْسِيْرٌ مُطَابِقٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمُوَافِقٌ لِحَقِيْقَتِهِ وَمُتَعَيِّنٌ بِسِيَاقِهِ، وَلَيْسَ فِيْهِ تَأْوِيْلٌ وَلَا صَرْفٌ لِلكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ. [2] (3)

(1) البُخَارِيُّ (6502)، وَفِي الحَدِيْثِ كَلَامٌ، رَاجِعِ الصَّحِيْحَةَ (1640).
[2] أَفَادَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (المُجَلَّى فِي شَرْحِ القَوَاعِدِ المُثْلَى) (ص284) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
قُلْتُ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ القَائِلِ: اسْتَعْمِلْنِي عَلَى كَذَا؛ أَكُنْ يَدَكَ اليُمْنَى، فَمَا هُوَ ظاهِرُ هَذَا الكَلَامِ عَلَى الحَقِيْقَةِ - وَالَّذِيْ يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِ العَالِمِ أَوِ العَامِيِّ؟؟ -.
(3) وَفِي الجَوَابِ عَنِ الحَدِيْث أَقْوَالٌ أُخْرُ؛ مِنْهَا: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا كَانَ وَلِيًّا للهِ عَزَّ وَجَلَّ حَفِظَ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ وَ .... ، فَلَا يَسْتَخْدِمُهَا إِلَّا فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (344/ 11): (وَقَالَ الطُّوْفِيُّ: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ - مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِم - أَنَّ هَذَا مَجَازٌ وَكِنَايَةٌ عَنْ نُصْرَةِ العَبْدِ وَتَأْيِيْدِهِ وَإِعَانَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنَزِّلُ نَفْسَهُ مِنْ عَبْدِهِ مَنْزِلَةَ الآلَاتِ الَّتِيْ يَسْتَعِيْنُ بِهَا).
قُلْتُ: وَهَذَا المَعْنَى حَقٌّ، لَكِنْ لَيْسَ فِي الحَدِيْثِ مَجَازٌ حَتَّى يُذْهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَىً آخَرَ، فَالحَدِيْثُ ظَاهِرُهُ هُوَ هَذَا المَعْنَى نَفْسُهُ.
أَمَّا (الطُّوْفِيُّ) هَذَا؛ فَلَعَلَّهُ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ القَوِيِّ الطُّوْفِيُّ الصَّرْصَرِيُّ؛ أَبُو الرَّبِيْعِ؛ نَجْمُ الدِّيْنِ، (المُتَوَفَّى سَنَةَ 716 هـ)، وَلَهُ شَرْحُ عَلَى الأَرْبَعِيْن. اُنْظُرْ كِتَابَ (ذَيْلُ طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ) لِلحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ (404/ 4).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 357
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست