responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 352
هـ) أَنْ يُقالَ لِلمُعَطِّلِ: هَلْ أَنْتَ أَعْلَمُ بِاللهِ مِنْ نَفْسِهِ؟ فَسَيَقُوْلُ: لَا.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ مَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ صِدْقٌ وَحَقٌّ؟ فَسَيَقُوْلُ: نَعَم.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ كَلَامًا أَفْصَحَ وَأَبْيَنَ مِنْ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى؟ فَسَيَقُوْلُ: لَا.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ تَظُنُّ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُعَمِّيَ الحَقَّ عَلَى الخَلْقِ فِي هَذِهِ النُّصُوْصِ لِيَسْتَخْرِجُوْهُ بِعُقُوْلِهِم؟ فَسَيَقُوْلُ: لَا.
فَيُقَالُ لَهُ: يَلْزَمُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ جَوَابِكَ أَنْ تُثْبِتَ مَا أَثْبَتَهُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ دُوْنَ تَعْطِيْلٍ مِنْكَ، فَهَذَا أَقْوَمُ لَكَ فِي دِيْنِكَ، وَأَسْلَمُ لَكَ {يَوْمَ يُنَادِيْهِمْ فَيَقُوْلُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِيْنَ} (القَصَص:65).
و) أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّعْطِيْلِ - المُسَمَّى عِنْدَهُم تَأْوِيْلًا - لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ؛ أَهَمُّهَا: أَنَّ ظَاهِرَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَشْبِيْهٌ لِلخَالِقِ بِالمَخْلُوْقِ وَأَنَّ ظَاهِرَهُمَا كُفْرٌ لَا يَجُوْزُ القَوْلُ بِهِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا مَعَانِيْهَا بَلْ أَوْكَلَهَا إِلَى عُقُوْلِنَا المُتَضَارِبَةِ وَإلى فَهْمِ كُلِّ شَخْصٍ، وَفِيْهِ مِنْ سُوْءِ الظَّنِّ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا مَعْنَاهَا، وَفِيْهِ سُوْءُ الظَّنِّ بِالصَّحَابَةِ أَنَّهُم إِمَّا سَكَتُوا عَنِ القَوْلِ فِيْهَا لِجَهْلِهِم بِمَعْنَاهَا؛ أَوْ عَلِمُوْهَا وَكَتَمُوا بَيَانَهَا. (1)
ثُمَّ إِنَّ مِنْ أَهْلِ التَّعْطِيْلِ مَنْ طَرَدَ قَاعِدَتَهُ فِي جَمِيْعِ الصِّفَاتِ، أَوْ تَعَدَّى إِلَى الأَسْمَاءِ - أَيْضًا - وَمِنْهُم مَنْ تَنَاقَضَ فَأَثْبَتَ بَعْضَ الصِّفَاتِ دُوْنَ بَعْض - كَالأَشْعَرِيَّةِ وَالمَاتُرِيْدِيَّةِ - أَثْبَتُوا مَا أَثْبَتُوْهُ بِحُجَّةِ أَنَّ العَقْلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَنَفَوا مَا نَفَوْهُ بِحُجَّةِ أَنَّ العَقْلَ يَنْفِيْهِ أَوْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
فَنَقُوْلُ لَهُم: نَفْيُكُم لِمَا نَفَيْتُمُوْهُ بِحُجَّةِ أَنَّ العَقْلَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِالطَّرِيْقِ العَقْلِيِّ الَّذِيْ أَثْبَتُّمْ بِهِ مَا أَثْبَتُّمُوْهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بِالدَّلِيْلِ السَّمْعِيِّ.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّهُم أَثْبَتُوا صِفَةَ الإِرَادَةِ، وَنَفَوا صِفَةَ الرَّحْمَةِ، فَأَثْبَتُوا صِفَةَ الإِرَادَةِ لِدِلَالَةِ السَّمْعِ وَالعَقْلِ عَلَيْهَا.
أَمَّا السَّمْعُ: فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيْدُ} (البَقَرَة:235)، وَأَمَّا العَقْلُ: فَإِنَّ اخْتِلَافَ المَخْلُوْقَاتِ وَتَخْصِيْصَ بَعْضِهَا بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ ذَاتٍ أَوْ وَصْفٍ دَلِيْلٌ عَلَى الإِرَادَةِ.
وَنَفَوا الرَّحْمَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ لِيْنَ الرَّاحِمِ وَرقَّتَهُ لِلمَرْحُوْمِ، وَهَذَا مُحَالٌ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى!! [2]، وَأَوَّلُوا الأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ المُثْبِتَةَ لِلرَّحْمَةِ إِلَى الفِعْلِ أَوْ إِرَادَةِ الفِعْلِ، فَفَسَّرُوا الرَّحِيْمَ بِالمُنْعِمِ أَوْ مُرِيْدِ الإِنْعَامِ!
فَنَقُوْلُ لَهُم: الرَّحْمَةُ ثَابِتَةٌ للهِ تَعَالَى بِالأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَأَدِلَّةُ ثُبُوْتِهَا أَكْثَرُ عَدَدًا وَتَنَوُّعًا مِنْ أَدِلَّةِ الإِرَادَةِ، فَقَدْ وَرَدَتْ بِالاسْمِ مِثْلِ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) (الفَاتِحَة:4)، وَالصِّفَةِ مِثْلِ: (وَرَبُّكَ الغَفُوْرُ ذُو الرَّحْمَةِ) (الكَهْف:58)، وَالفِعْلِ مِثْلِ: (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ) (العَنْكَبُوْت:21)، وَيُمْكِنُ إِثْبَاتُهَا بِالعَقْلِ أَيْضًا، فَإِنَّ النِّعَمَ الكَثِيْرَةَ عَلَى العبَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالنِّقَمَ الَّتِيْ تُدْفَعُ عَنْهُم فِي كُلِّ حِيْنٍ دَالَّةٌ عَلَى ثُبُوْتِ الرَّحْمَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَدِلَالَتُهَا عَلَى ذَلِكَ أَبْيَنُ وَأَجْلَى مِنْ دِلَالَةِ الإِرَادَةِ - لِظُهُوْرِ ذَلِكَ لِلخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ - بِخِلَافِ دِلَالَةِ التَّخْصِيْصِ عَلَى الإِرَادَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِأَفْرَادٍ مِنَ النَّاسِ.
وَأَمَّا نَفْيُهَا بِحُجَّةِ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ اللِّيْنَ وَالرِّقَةَ؛ فَجَوَابُهُ: أَنَّ هَذِهِ الحُجَّةَ لَوْ كَانَتْ مُسْتَقِيْمَةً لَأَمْكَنَ نَفْيُ الإِرَادَةِ بِمِثْلِهَا فَيُقَالُ: الإِرَادَةُ: مَيْلُ المُرِيْدِ إِلَى مَا يَرْجُو بِهِ حُصُوْلَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّةٍ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الحَاجَةَ، وَاللهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ! فَإِنْ أُجِيْبَ: بِأَنَّ هَذِهِ إِرَادَةُ المَخْلُوْقِ؛ أَمْكَنَ الجَوَابُ بِمِثْلِهِ فِي الرَّحْمَةِ بِأَنَّ الرَّحْمَةَ المُسْتَلْزِمَةَ لِلنَّقْصِ هِيَ رَحْمَةُ المَخْلُوْقِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّعْطِيْلِ سَوَاءً كَانَ تَعْطِيْلًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا.

(1) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (426/ 3): (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش} فَلِلنَّاسِ فِي هَذَا المَقَامِ مَقَالَاتٌ كَثِيْرَةٌ جِدًّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا، وَإِنَّمَا نَسْلُكُ فِي هَذَا المَقَام مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِح مَالِكٍ وَالأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّة المُسْلِمِيْنَ قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا؛ وَهُوَ إِمْرَارهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْر تَكْيِيْفٍ وَلَا تَشْبِيْهٍ وَلَا تَعْطِيْلٍ.
وَالظَّاهِرُ المُتَبَادِرُ إِلَى أَذْهَانِ المُشَبِّهِيْنَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْع البَصِيْرُ} بَلِ الأَمْرُ كَمَا قَالَ الأَئِمَّةُ مِنْهُمْ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ شَيْخُ البُخَارِيِّ قَالَ: (مَنْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ الله بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ فِيْمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُوْلُهُ تَشْبِيْهٌ)، فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الآيَاتُ الصَّرِيْحَةُ وَالأَخْبَارُ الصَّحِيْحَةُ عَلَى الوَجْهِ الَّذِيْ يَلِيْقُ بِجَلَالِ اللهِ وَنَفَى عَنِ اللهِ تَعَالَى النَّقَائِصَ؛ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيْل الهُدَى).
[2] كَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ دَقِيْق العِيْد (ت 702 هـ) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وغَفَرَ لَهُ - فِي شَرْحِ البَسْمَلَةِ مِنْ مُقَدِّمَةِ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى الأَرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ - (ص11): (وَالرَّحْمَنُ: العَامُّ الرَّحْمَةِ لِجَمِيْعِ البَرِيَّةِ، وَالرَّحِيْمُ: الخَاصُّ الرَّحْمَةِ لِلمُؤْمِنِيْنَ، وَأَصْلُ (الرَّحْمَةِ) انْعِطَافُ القَلْبِ وَالرِّقَةُ، وَهِيَ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِرَادَةُ الخَيْرِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ تَرْكُ العُقُوْبَةِ لِمَنْ يَسْتَوجِبُهَا).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 352
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست