responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 340
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- المِسْأَلَةُ الأُوْلَى) هَلْ يَصِحُّ تَأْوِيْلُ صِفَةِ الرَّحْمَةِ للهِ تَعَالَى بِإِرَادَةِ الثَّوَابِ أَوِ الرِّضَى [1]، حَيْثُ أَنَّهُم - المُعَطِّلَةُ - قَالُوا: إِنَّ الرَّحْمَةَ لِيْنٌ وَضَعْفٌ وَرِقَّةٌ يَتَنَزَّهُ البَارِي سُبْحَانَهُ عَنْهَا! أَمَّا الإِرَادَةُ فَهِيَ مِمَّا دَلَّ العَقْلُ عَلَيْهَا؟
الجَوَابُ: لَا يَصِحُّ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَقَالَ عَنْ نَفْسِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشُّوْرَى:11).
فَنُثْبِتُ مَا أَثْبَتَ وَنَنْفِي عَنْه التَّمْثِيْلَ، فيَكُوْنُ بِذَلِكَ حَالُنَا كَحَالِ مِنْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيْهِم: {وَالرَّاسِخُوْنَ فِي العِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (آلِ عِمْرَان:7).
2) أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِيْ تَسْتَلْزِمُ الضَّعْفَ وَاللَّيْنَ وَالرِّقَّةَ هِيَ رَحْمَةُ المَخْلُوْقِ وَلَيْسَتْ رَحْمَةُ الخَالِقِ تَعَالَى، فَالخَالِقُ سُبْحَانَهُ رَحْمَتُهُ مُقَارِنَةٌ لِكَمَالِ سُلْطَانِهِ وَعِزَّتِهِ وَقوَّتِهِ.
وَتَأَمَّلْ جَمْعَ اللهِ تَعَالَى بَيْنَ صِفَتَيْنِ لَهُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّهُ هُوَ العَزِيْزُ الرَّحِيْمُ} (الدُّخَان:42)، فَعِزَّتُهُ تَعَالَى غَيْرُ مُنْفَكَّةٍ عَنْ رَحْمَتِهِ، فَلَا يَكُوْنُ فِيْهَا ضَعْفٌ وَلِيْنٌ وَرِقِّةٌ وَ ... مِمَّا يُنَزَّهُ اللهُ عَنْهُ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (2)

[1] كَمَا قَالَ صَاحِبُ تَفْسِيْرِ الجَلَالَيْنِ (2/ 1) عِنْدَ تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ الفَاتِحَةِ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ): (أَي ذِي الرَّحْمَةِ؛ وَهِيَ إِرَادَةُ الخَيْرِ لِأَهْلِهِ).
وَكَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ دَقِيْق العِيْد (ت 702 هـ) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وغَفَرَ لَهُ - فِي شَرْحِ البَسْمَلَةِ مِنْ مُقَدِّمَةِ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى الأَرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ - (ص11): (وَالرَّحْمَنُ: العَامُّ الرَّحْمَةِ لِجَمِيْعِ البَرِيَّةِ، وَالرَّحِيْمُ: الخَاصُّ الرَّحْمَةِ لِلمُؤْمِنِيْنَ، وَأَصْلُ (الرَّحْمَةِ) انْعِطَافُ القَلْبِ وَالرِّقَةُ، وَهِيَ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِرَادَةُ الخَيْرِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ تَرْكُ العُقُوْبَةِ لِمَنْ يَسْتَوجِبُهَا).
وَبِمِثْلِهِ نَقَلَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في صِفَةِ المَحَبَّةِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (183/ 16) - عِنْدَ بَابِ إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا أَمَرَ جِبْرِيْلَ فَأَحَبَّهُ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ - فَقَالَ: (ثُمَّ يُوْضَعُ لَهُ القَبُوْلُ فِي الأَرْضِ، وَذَكَرَ في البُغْضِ نَحْوَهُ.
قَالَ العُلَمَاءُ: مَحَبَّةُ اللهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَتُهُ الخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ).
(2) بَلْ بَعْضُ المَخْلُوْقِيْنَ - كَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ - وَلَيْسَ كُلُّ المَخْلُوْقِيْنَ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّحْمَةِ فِي قَوْلِهِ {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ} (البَلَد:17)، مَعَ نَهْيِهِ عِبَادَهُ عَنِ الوَهَنِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} (آلِ عِمْرَان:139)، وَمَعَ وَصْفِهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِيْنَ بِالشِّدَّةِ عَلَى الكَافِرِيْنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ} (الفَتْحِ:29). وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَبَيْنَ الوَهَنِ وَالضَّعْفِ.
وَتَرَى المَلِكَ ذُا السُّلْطَانِ العَظِيْمِ، يَكُوْنُ مِنْ أَقْوَى النَّاسِ وَيَكُوْنُ أَيْضًا مِنْ أَرْحَمِ النَّاسِ وَهَذَا مُمْكِنٌ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَالضَّعْفِ.
وَتَرَى الرَّجُلَ الشَّدِيْدَ الغَلِيْظَ صَاحِبَ البَطْشِ يَكُوْنُ رَحِيْمًا بِأَوْلَادِهِ عَطُوْفًا عَلَيْهِم دُوْنَ غَيْرِهِم.
وَتَرَى الأُنْثَى مِنَ السِّبَاعِ وَالوُحُوْشِ الكَوَاسِرِ تَكُوْنُ رَفِيْقَةً رَحِيْمَةً بِأَوْلَادِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ قَوِيَّةٌ عَزِيْزَةٌ فِي مَمْلَكَتِهَا.
وَكَيْفَ يَصِحُّ القَوْلُ بِذَلِكَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ). حَسَنٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (374) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (288).
فَإِنْ اسْتَقَامَ ذَلِكَ في المَخْلُوْقِ، أَفَلَا يَكُوْن البَارِي أُوْلَى سُبْحَانَهُ بِكَمَالِ الصِّفات؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِيْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الرَّحْمَةُ فِي حَقِّ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ، قَدْ تُقَارِنُ الضَّعْفَ وَالخَوَرَ؛ ظَنَّ مَنْ غَلِطَ في ذَلِكَ أَنَّهَا كَذِلِكَ مُطْلَقًا. انْظُرْ شَرْحَ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ مِنْ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (62/ 1).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 340
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست