responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 336
- وَجْهُ إِنْكَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الرَّجُلِ هُوَ عَدَمُ التَّسْلِيْمِ لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِ عَلَى التَّالِي لِلحَدِيْثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوْصِ لَيْسَتْ مِنَ المُتَشَابِهَاتِ الَّتِيْ تُتْرَكُ، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ بِمَعْنَاهَا وَمَا فِيْهَا مِنَ الفَوَائِدِ وَالعِبَرِ - مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَخَوْفِ المَخْلُوْقاتِ مِنْهُ (كَالنَّارِ هُنَا فِي حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ، وَسَيَأْتِي) -، لَكِنْ تُوْكَلُ كَيفِيَّةُ وَحَقِيْقَةُ مَا فِيْهَا مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا هُوَ مَنْهَجُ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم.
فَالمُنْتَفِضُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا كَمَا سَلَّمَ لِغَيرِهَا، وَالوَاجِبُ هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (آمَنْتُ بِاللهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللهِ؛ عَلَى مُرَادِ اللهِ، وَآمَنْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ وَبِمَا جَاءِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ؛ عَلَى مُرَادِ رَسُوْلِ اللهِ). (1)
فَالمُتَشَابِهُ هُنَا فَهُوَ كَيْفيَّةُ وَحَقِيْقَةُ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَمَثَلًا صِفَةُ السَّمْعِ للهِ تَعَالَى ثَابِتَةٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَعْنَاهَا مَفْهُوْمٌ مِنْ سَمَاعِهِ تَعَالَى لِجَمِيْعِ خَلْقِه، وَلَكِنَّ كَيْفِيَّةَ السَّمَاعِ مَجْهُوْلَةٌ لَنَا، فَالمُتَشَابِهُ هُنَا هُوَ الكَيْفيَّةُ وَلَيْسَتِ الصِّفَةُ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) [2]: (وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أنْكَرَ عَلَى مَنْ اسْتَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ النُّصُوْصِ؛ وَزَعَمَ أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَمَّا تَدُلُّ عَلَيْهِ! فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيْه؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ ابْنَ عبَّاسٍ بحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ)، وَفِيْهِ: (فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ) - أَوْ قَالَ: (قَدَمَهُ) فِيْهَا - [3]، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَانْتَفَضَ، فَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: (مَا فَرَقُ هَؤْلَاءِ، يَجِدُوْنَ رِقَّةً عِنْدَ مُحْكَمِهِ، وَيَهلَكُوْنَ عندَ مُتَشَابِهِهِ). وَخَرَّجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوِيْه فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ تَأْوِيْلٌ لَذَكَرَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَسَعْهُ كِتْمَانُهُ) ـ (4)

(1) لُمْعَةُ الاعْتِقَادِ (7/ 1) لِابْنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ) (138/ 14): (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الرَّبِيْعِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ رُؤُوْسِ أَصْحَابِهِ (أَي الشَّافِعِيِّ) مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ بِآيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيْفٍ وَلَا تَشْبِيْهٍ وَلَا تَعْطِيْلٍ وَلَا تَحْرِيْفٍ؛ عَلَى طَرِيْقِ السَّلَفِ).
وَقَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (العُلُوُّ لِلعَلِيِّ الغَفَّارِ) (ص166): (وَعَنْ يُوْنُس بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى؛ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: للهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا - قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ - رَدُّهَا).
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (407/ 13): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُوْنُس بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: للهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا، وَمَنْ خَالَفَ بَعْدَ ثُبُوْتِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدَ كَفَرَ، وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الحُجَّةِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ بِالجَهْلِ، لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرِكُ بِالعَقْلِ وَلَا الرُّؤْيَةِ وَالفِكْرِ، فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيْهَ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}).
[2] فَتْحُ البَارِي (232/ 7).
[3] وَالحَدِيْثُ بِتَمَامِهِ مَرْفُوْعًا (تَحَاجَّتْ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوْثِرْتُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: (أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا). فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ؛ فَتَقُوْلُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ - وَلَا يَظْلِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا - وَأَمَّا الجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4850)، وَمُسْلِمٌ (2846).
(4) قُلْتُ: وَقَصْدُهُ إِجْرَاءُ النُّصُوْصِ عَلَى ظَاهِرِهَا دُوْنَ التَّعَرُّضِ لِتَفْسِيْرِهَا؛ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} (الشُّوْرَى:11).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 336
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست