responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 293
[2]) أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَاهُ مِنَ الآيَاتِ وَالصِفَاتِ مَا يَلْزَمُ مَعَهُ إِيْمَانُ النَّاسِ، وَيَصِحُّ بِهِ إِيْمَانُهُم، فَوَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِصِفَتَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيْرًا وَنَذِيْرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ} (سَبَأ:28) [1]، فَمَنْ عَمِلَ بِمُوْجَبِ بِعْثَةِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُقَالُ بِتَخْطِئَةِ مَنْهَجِهِ؟! (2)
فَاللهُ تَعَالَى جَعَلَ الرِّضَا فِي الآخِرَةِ لِمَنْ خَافَ مِنَ النَّارِ الَّتِيْ أَعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِلكفَّارِ؛ وَأَرْسَلَ الرَّسُوْلَ نَذِيْرًا مِنْهَا؛ فَمَنْ خَافَ مِنْهَا فَصَدَّقَ بِهِ؛ كَيْفَ يَكُوْنُ غَيْرَ مَرْضِيَ الإِيْمَانِ أَوْ نَاقِصَهُ! قَالَ تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرَّحْمَن:46).
وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَلَ أَهْلِ الإِيْمَانِ تِجَارَةً رَابِحَةً مَعَ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيْمٍ، تُؤْمِنُوْنَ بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ وَتُجَاهِدُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ} (الصَّف:11).
3) أَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَنَقُّصُ إِيْمَانِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ تِلْكَ المَرْتَبَةَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ اللهِ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ العِبَادَةَ هِيَ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَلَكِنَّهَا تَحْتَاجُ لِاعْتِبَارٍ وَتَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ فِي الآيَاتِ الكَوْنيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَإِلى أَنْ يَبْلُغَ العَبْدُ - نَاطِقُ الشَّهَادَةِ - هَذِهِ المَرْتَبَةَ لَا يَكُوْنُ مَذْمُوْمًا! بَلْ هُوَ مَمْدُوْحٌ حَيْثَ تَرَكَ عِبَادَةَ الطَّاغُوْتِ وَوَحَّدَ اللهَ تَعَالَى كَمَا أَمَرَهُ، وَيَكُوْنُ سَاعِيًا فِيْمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ. (3)
وَفِي الحَدِيْثِ عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيْدِ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: (أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ). فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ؛ فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَمِلَ قَلِيْلًا وَأُجِرَ كَثِيْرًا)). (4)
وَفِي الحَدِيْثِ (كَانَ غُلَامٌ يَهُوْدِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ؛ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُوْدُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ) فَنَظَرَ إِلَى أَبِيْهِ - وَهُوَ عِنْدَهُ -، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُوْلُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِيْ أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ)). (5)

[1] قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (301/ 14): ({بَشِيْرًا} أَيْ: بِالجنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَ. {وَنَذِيْرًا} مِنَ النَّارِ لِمَنْ كَفَرَ).
[2] وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً؛ فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيْعُوْهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيْعُوْنِي؟! قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوْهَا، فَقَالَ: اُدْخُلُوْهَا، فَهَمُّوا - وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا - وَيَقُوْلُوْنَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ! فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ؛ فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَوْ دَخَلُوْهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوْفِ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (7145)، وَمُسْلِمٌ (1840) مِنْ حَدِيْثِ عَليٍّ مَرْفُوْعًا.
(3) قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِيْنَ} (الرُّوْم:22)، وَهَؤُلَاءِ العَالِمِيْنَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - لَا شَكَّ أَنَّهُم تَمَتَّعُوا بِعِلْمٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِم - مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ سَابِقَةُ العِلْمِ الوَاسِعِ وَالنَّظَرِ البَعِيْدِ -، فَهَلْ يُضَلَّلُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؟!
قَالَ الإِمَامُ المُحَقِّقُ ابْنُ دَقِيْق العِيْد رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ الأَرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ (ص55): (وَفِي قَوْلِهِ (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ) دِلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ المُحَقِّقِيْن وَالجَمَاهِيْرِ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا اعْتَقَدَ دِيْنَ الإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا - لَا تَرَدُّدَ فِيْهِ - كَفَاهُ ذَلِكَ؛ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعلُّمُ أَدِلَّةِ المُتَكَلِّمِيْنَ وَمَعْرِفَةُ اللهِ بِهَا؛ خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي نَحْوِ أَهْلِ القِبْلَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ المُرَادَ التَّصْدِيْقُ الجَازِمُ - وَقَدْ حَصَلَ - لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَفَى بِالتَّصْدِيْقِ بِمَا جَاءَ بِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطِ المَعْرِفَةَ بِالدَّلِيْلِ).
(4) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2808)، وَمُسْلِمٌ (1900).
(5) صَحِيْحُ البُخَارِيِّ (1356) عَنْ أَنَسٍ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 293
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست