responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 268
الشَّرْحُ
- عِلْمُ التَّنْجِيْمِ: هُوَ عِلْمُ النُّجومِ، وَالتَّنْجِيْمُ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْكَالٍ ([1]):
1) الاعْتِقَادُ بِأَنَّ النُّجُوْمَ هِيَ الَّتِيْ تُدبِّرُ الكَوْنَ وَتُصَرِّفُهُ، وَأَنَّهَا تُخَاطَبُ وَتُعْبَدُ وَتُدْعَى وَيُسَبَّحُ لَهَا، فَهَذَا النَّوْعُ سِحْرٌ وَشِرْكٌ. (2)
2) عِلْمُ التَّأْثِيْرِ: وَهُوَ الاسْتِدْلَالُ بِالأَحْوَالِ الفَلَكِيَّةِ عَلَى الحَوَادِثِ الأَرْضِيَّةِ، كَالاسْتِدْلَالُ بِمَوَاضِعِ النُّجُوْمِ مِنَ الاقْتِرْانِ وَالطُّلُوْعِ عَلَى الأُمُوْرِ الَّتِيْ تَحْدُثُ فِي الأَرْضِ، وَهَذَا أَيْضًا كُفْرٌ بِاللهِ تَعَالَى [3]. وَلَكِنَّهُ عَلَى دَرَجَتَيْنِ:
أ) أَنْ يَجْعَلَهَا سَبَبًا يَدَّعِي بِهِ عِلْمَ الغَيْبِ، فَيَسْتَدِلَّ بِحَرَكَاتِهَا وَتَنَقُّلَاتِهَا وَتَغَيُّرَاتِهَا عَلَى أَنَّهُ سَيَكُوْنُ كَذَا وَكَذَا [4]، فَهَذَا اتَّخَذَ تَعَلُّمَ النُّجومِ وَسِيْلَةً لِادِّعَاءِ عِلْمِ الغَيْبِ، وَدَعْوَى عِلْمِ الغَيْبِ كُفْرٌ مُخْرِجٌ عَنِ المِلَّةِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْلُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُوْنَ أَيَّانَ يُبْعَثُوْنَ} (النَّمْل:65)، وَهَذَا الأُسْلُوْبُ اللُّغَوِيُّ فِي الحَصْرِ هُوَ مِنْ أَقْوَى أَنْوَاعِ الحَصْرِ، لِأَنَّهُ بِالنَّفِي وَالإِثْبَاتِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدٌ عِلْمَ الغَيْبِ؛ فَقَدْ كَذَّبَ القُرْآنَ.
ب) أَنْ يَجْعَلَهَا سَبَبًا لِحُدُوْثِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، أَيْ: أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ شَيْءٌ؛ نَسَبَهُ إِلَى النُّجُوْمِ، وَلَا يَنْسُبُ إِلَى النُّجُوْمِ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ وُقُوْعِهِ، فَهَذَا شِرْكٌ أَصْغَرٌ. [5] (6)
3) عِلْمُ التَّسْيِيْرِ: وَهُوَ الاسْتِدْلَالُ بِالنُّجُوْمِ عَلَى الجِهَاتِ وَالأَوْقَاتِ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَقَدْ يَجِبُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ شَرْعًا. (7)
وَهَذَا الاسْتِدْلَالُ أَيْضًا يَكُوْنُ مِنْ جِهَتَيْنِ:
أ) الاسْتِدْلَالُ عَلَى الزَّمَانِ: كَالفُصُوْلِ وَدُخُوْلِ رَمَضَانَ وَالأَعْيَادِ وَمَوَاعِيْدِ الزِّرَاعَةِ وَالحَصَادِ وَ ....
ب) الاسْتِدْلَالُ عَلَى المَكَانِ: كَجِهَةِ القِبْلَةِ وَالجِهَاتِ الأَرْبَعَةِ وَ ... (8)

[1] وَأَكْثَرُ مَا يَرِدُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِهِ هُوَ عَلَى النَّوْعِ الثَّانِي، وَهُوَ مَعْرِفَةُ المُغَيَّبَاتِ عَنْ طَرِيْقِ النُّجُوْمِ.
(2) كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ الكَنْعَانِيُّوْنَ الَّذِيْنَ بُعِثَ فِيْهِم إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُم كَانُوا يَبْنُوْنَ هَيَاكِلَ عَلَى صُوَرِ الكَوَاكِبِ الَّتِيْ يَرَوْنَهَا، وَيَجْعَلُوْنَ بُيُوْتًا لَهَا، وَيَضَعُوْنَ فِيْهَا الصُّوَرَ، ثُمَّ يَتَقَرَّبُوْنَ إِلَيْهَا بِالدُّعَاءِ، وَيَلْبَسُوْنَ لِبَاسًا مُعَيَّنًا، وَيُبَخِّرُوْنَ عِنْدَهَا، وَيَتَقرَّبُوْنَ إِلَيْهَا بِالقُرَبِ، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُم إِذَا صَنَعُوا ذَلِكَ نَزَلَتْ رُوْحَانِيَّاتُهَا، وَهَذِهِ الرُّوْحَانِيَّاتُ الَّتِيْ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهَا رُوْحَانِيَّاتُ الكَوَاكِبِ؛ إِنَّمَا هِيَ لِلشَّيَاطِيْنِ الَّتِيْ تَنْزِلُ عَلَيْهِم، وَقَدْ تُخَاطِبُهُم، وَقَدْ تَقْضِي حَوَائِجَهُم وَتَفْعَلُ لَهُم بَعْضَ الشَّيْءِ الَّذِيْ يُرِيْدُوْنَهُ؛ لِأَنَّهُم فَعَلُوا مَا تَرْضَاهُ الشَّيَاطِيْنُ، فَخَدَمُوْهَا وَعَبَدُوْهَا، فَيَأْتُوْنَ إِلَيْهِم بِبَعْضِ النَّفْعِ. مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيْدِ)، شَرِيْطُ رَقَم (76).
[3] وَقَدْ تَغَيَّرَتِ الطُّرُقُ الآنَ عِنْدَ نَاسٍ مِنَ المُثَقَّفِيْنَ - كَمَا يَزْعُمُوْنَ -، فَيَكْتُبُوْنَ جَدَاوِلَ وَيَذْكُرُوْنَ الحَوَادِثَ الَّتِيْ تَحْدُثُ فِي هَذَا البُرْجِ، فَيَقُوْلُوْنَ: يَوْمُ كَذَا يَكُوْنُ كَذَا وَكَذَا، ومَنْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي اليَوْمِ الفُلَانِيِّ يَحْدُثُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَلَا يَجُوْزُ أَنْ يُنْظَرَ فِيْهَا؛ لِأَنَّهَا رَجْمٌ بِالغَيْبِ.
[4] مِثْلُ أَنْ يَقُوْلَ: هَذَا الإِنْسَانُ سَتَكُوْنُ حَيَاتُهُ شَقَاءً لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي وَقْتِ النَّجْمِ الفُلَانِيِّ، وَهَذَا حَيَاتُهُ سَتَكُوْنُ سَعِيْدَةً لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي النَّجْمِ الفُلَانِيِّ.
[5] فَالدَّرَجَةُ الأُوْلَى هِيَ قَبْلَ الوُقُوْعِ؛ وَهِيَ ادِّعَاءُ عِلْمِ الغَيْبِ، وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ الوُقُوْعِ.
(6) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (523/ 2): (وَأَعْلَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ فِي الأُمِّ: (مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا - عَلَى مَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ يَعْنُوْنَ مِنْ إِضَافَةِ المَطَرِ إِلَى أَنَّهُ مَطَرُ نَوْءِ كَذَا - فَذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ؛ وَالوَقْتَ مَخْلُوْقٌ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ شَيْئًا، وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا - عَلَى مَعْنَى مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا - فَلَا يَكُوْنُ كُفْرًا، وَغَيْرُهُ مِنَ الكَلَامِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ). يَعْنِي حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ إِطْلَاقُ الحَدِيْثِ (أَي حَدِيْثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ)).
(7) كَحَالَةِ المُسَافِرِ خَارِجَ البُنْيَانِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ جِهَةِ القِبْلَةِ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ.
(8) وَمِنْهُ نَأْخُذُ خَطَأَ العَوَامِّ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ إِذَا هَبَّتِ الرِّيْحُ: طَلَعَ النَّجْمُ الفُلَانِيُّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّجُوْمَ لَا تَأْثِيْرَ لَهَا بِالرِّيَاحِ، صَحِيْحٌ أَنَّ بَعْضَ الأَوْقَاتِ وَالفُصُوْلِ يَكُوْنُ فِيْهَا رِيْحٌ وَمَطَرٌ؛ وَلَكِنَّهَا ظَرْفٌ لَهُمَا، وَلَيْسَتْ سَبَبًا لَهُمَا.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 268
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست