responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 252
- قَوْلُهُ (وَلَا صَفَرَ): فِيْهِ ثَلَاثةُ أَقْوَالٍ:
1) أَنَّهُ شَهْرُ صَفَرٍ، حَيْثُ كَانَتِ العَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهِ؛ فَيَتْرُكُوْنَ الأَسْفَارَ وَالأَعْمَالَ وَالنِّكَاحَ فِيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُوْنُ عَطْفُهُ عَلَى الطِّيَرَةِ هُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الخَاصِّ عَلَى العَامِّ.
2) أَنَّهُ دَاءٌ فِي البَطْنِ يُصِيْبُ الإِبِلَ وَيَنْتَقِلُ مِنْ بَعِيْرٍ إِلَى آخَرَ، وَعَلَيْهِ يَكُوْنُ عَطْفُهُ عَلَى العَدْوَى هُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الخَاصِّ عَلَى العَامِّ أَيْضًا.
3) أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ النَّسِيْئَةِ، فَكَانُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ يَنْسَئُوْنَ، فَإِذَا أَرَادُوا القِتَالَ فِي شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ اسْتَحَلُّوْهُ، وَأَخَّرُوا الحُرْمَةَ إِلَى شَهْرِ صَفَرَ، وَهَذِهِ النَّسِيْئَةُ هِيَ الَّتِيْ ذَكَرَهَا اللهُ بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا النَّسِيْءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِيْنَ كَفَرُوا يُحِلُّوْنَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُوْنَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ} (التَّوْبَة:37).
- هَذَا النَّفيُ فِي هَذِهِ الأُمُوْرِ المَذْكُوْرَةِ فِي الحَدِيْثِ لَيْسَ نَفيًا لِلوُجُوْدِ - لِأَنَّهَا مَوْجُوْدَةٌ - وَلَكِنَّهُ نَفْيٌ:
1) لِلتَّأثِيْرِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ سَبَبًا صَحِيْحًا؛ كَالعَدْوَى.
2) أَوْ نَفْيًا لِكَونِهِ سَبَبًا إِنْ كَانَ بَاطِلًا؛ كَالطِّيَرَةٍ وَالهَامَةِ وَالنَّوْءِ، وَأَمَّا الغُوْلُ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِكِلَيْهِمَا، وَسَيَأْتِي.
- قَوْلُهُ (وَلَا نَوْءَ): هُوَ وَاحِدُ الأَنْوَاءِ، وَالأَنْوَاءُ هِيَ: مَنَازِلُ القَمَرِ. (1)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي): (كَانُوا يَقُوْلُوْنَ (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا) فَأَبْطَلَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؛ بِأَنَّ المَطَر إِنَّمَا يَقَعُ بِإِذْنِ اللهِ لَا بِفِعْلِ الكَوَاكِب - وَإِنْ كَانَتْ العَادَةُ جَرَتْ بِوُقُوْعِ المَطَرِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ - لَكِنْ بِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَتَقْدِيْرِهِ؛ لَا صُنْعَ لِلْكَوَاكِبِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). (2)
- قَوْلُهُ (وَلَا غُوْل): قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ) [3]: (الغُوْلُ: أَحَدُ الغِيْلَانِ، وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الجِنِّ وَالشَّيَاطِيْنِ [4]، كَانَتِ العَرَبُ تَزْعُم أَنَّ الغُوْلَ فِي الفَلَاةِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فَتَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا: أَيْ: تَتَلَوَّنُ تلَوُّنًا فِي صُوَرٍ شَتَّى وَتَغُولُهُم أَيْ: تُضِلُّهُم عَنِ الطَّريْقِ وَتُهْلِكهُم؛ فَنَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ وَأَبْطَلَهُ).
وَالحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَضِلَّ أَحَدًا مَعَ ذِكْرِ اللهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفًا} (النِّسَاء:76).
فَالعَرَبُ كَانُوا إِذَا سَافَرُوا أَوْ ذَهَبُوا يَمِيْنًا أَوْ شِمَالًا تَلَوَّنَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِيْنُ بِأَلْوَانٍ مُفْزِعَةٍ مُخِيْفَةٍ؛ فَتُدْخِلُ فِي قُلُوْبِهِمُ الرُّعْبَ وَالخَوْفَ، فَتَجِدُهُم يَكْتَئِبُوْنَ وَيَمْتَنِعُوْنَ عَنِ الذَّهَابِ إِلَى هَذَا الوَجْهِ الَّذِيْ أَرَادُوا. (5)

(1) وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُوْنَ مَنْزِلَةً، كُلُّ مَنْزِلَةٍ لَهَا نَجْمٌ؛ تَدُوْرُ بِمَدَارِ السَّنَةِ، وَهَذِهِ النُّجُوْمُ بَعْضُهَا يُسَمَّى النُّجُوْمَ الشَّمَالِيَّةَ - وَهِيَ لِأَيَّامِ الصَّيْفِ -، وَبَعْضُهَا يُسَمَّى النُّجُوْمَ الجَنوبِيَّةَ - وَهِيَ لِأَيَّامِ الشِّتَاءِ -، وَأَجْرَى اللهُ العَادَةَ أَنَّ المَطَرَ - مَثَلًا فِي وَسَطِ الجَزِيْرَةِ العَرَبيَّةِ - يَكُوْنُ أَيَّامَ الشِّتَاءِ، أَمَّا أَيَّامَ الصَّيْفِ فَلَا مَطَرَ. فَكَانَتِ العَرَبُ تَعْتَقِدُ أَنَّ المَطَرَ يَكُوْنُ بِالأَنْوَاءِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا مَحْمُوْدٌ وَبَعْضَهَا مَنْحُوْسٌ لَا يَأْتِي فِيْهَا خَيْرٌ، وَلِهَذَا كَانُوا يُسَمُّوْنَ بَعْضَهَا: سَعْدًا أَوْ سَعْدَ السُّعُوْدِ، وَبَعْضَهَا يَتَشَاءَمُوْنَ بِهَا أَشَدَّ التَّشَاؤُمِ كَسَعْدِ الذَّابِحِ، فَيَقُوْلُوْنَ: هَذَا نَوْءٌ غَيْرُ مَحْمُوْدٍ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيْهِ المَطَرُ وَلَا يَحْصُلُ فِيْهِ الخَيْرُ. اُنْظُرْ كِتَابَ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (568/ 1).
(2) (فَتْحُ البَارِي) (159/ 10).
[3] (النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ) (746/ 3).
[4] هِيَ سَحَرَتُهُم، وَقَالَ بَعْضُهُم: السَّاحِرُ الذَّكَرُ هُوَ الغُوْلُ، وَالأُنْثَى هِيَ السِّعْلَاةُ. اُنْظُرْ كِتَابَ (لِسَانُ العَرَبِ) (510/ 11).
(5) وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يُضْعِفُ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ، وَالشَّيْطَانُ حَرِيْصٌ عَلَى إِدْخَالِ القَلَقِ وَالحُزْنِ عَلَى الإِنْسَانِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَطِيْعُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُوْنَ} (المُجَادِلَة:10).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 252
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست