responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 226
- النَّمِيْمَةُ كَبِيْرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهِيَ نَقْلُ الكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الوِشَايَةِ وَالإِفْسَادِ [1].
وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا سِحْرًا أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ فِي التَّفرِيْقِ بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ قَدْ تَكُوْنُ أَشَدَّ مِنْ حَيْثُ الضَّرَرِ، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيْرٍ [2]: (يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالكذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ). وَفِي الحَدِيْثِ (لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ) [3] وَهُوَ النَّمَّامُ.
- قَوْلُهُ (إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا) [4]: (مِنْ) هُنَا للتَّبْعِيْضِ. وَالبَيَانُ عُمُوْمًا هُوَ عَلَى مَعْنَيِيْنِ:
1) الإِفْهَامُ: وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيْهِ جَمِيْعُ النَّاسِ - خِلَافًا لِلبَهَائِمِ -، قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانَ} (الرَّحْمَن:[3]). (5)
2) الفَصَاحَةُ التَّامَّةُ: وَهِيَ الَّتِيْ تَسْبِي العُقُوْلَ وَتُغَيِّرُ الأَفْكَارَ، وَتُؤَثِّرُ فِي القُلُوْبِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الحَدِيْثُ هُنَا.
وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنَ السِّحْرِ هُوَ أَنَّ صَاحِبَهُ يُؤَثِّرُ فِي النَّاسِ بِاسْتِمَالَةِ قُلُوْبِهِم عَلَى وَجْهٍ خَفِيٍّ؛ فَيَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ، فَيَجْعَلُ الحَقَّ فِي قَالِبِ البَاطِلِ؛ وَالبَاطِلَ فِي قَالِبِ الحَقِّ.
- قَوْلُهُ (مِنَ البَيَانِ): اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي كَوْنِهِ سِيْقَ لِلمَدْحِ أَمْ لِلذَمِّ، فجَعَلَهُ بَعْضُهُم لِلذَّمِّ لِكَوْنِهِ سَمَّاهُ سِحْرًا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُم مَدْحًا لِكَوْنِهِ عَنِ البَيَانِ - وَالبَيَانُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى -.
وَالأَرْجَحُ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - هُوَ أَنَّهُ يُمْدَحُ أَوْ يُذَمُّ بِحَسْبِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ - إِذَا خَلَا مِنَ التَّكلُّفِ -. [6] (7)
- فَائِدَةٌ) يَدْخُلُ فِي إتْيَانِ الكُهَّانِ قِرَاءَةُ المَجَلَّاتِ الَّتِيْ فِيْهَا بُرُوْجُ الحَظِّ، فَالإِنْسَانُ يَقْرَؤُهَا وَقَدْ يُفْتَتَنُ بِهَا، فَهِيَ مِنْ جِنْسِ إِتْيَانِ الكُهَّانِ.

[1] وَفِي لَفْظٍ لِلحَدِيْثِ (أَتَدْرُوْنَ مَا العَضْهُ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: نَقْلُ الحَدِيْثِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ - لِيُفْسِدُوا بَيْنَهُمْ -). صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (425) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (845).
[2] وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ حَافِظٌ، (ت 129 هـ)، وَالأَثَرُ أَوْرَدَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الفُرُوْعِ (211/ 10) عَنِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُمَا اللهُ.
[3] البُخَارِيُّ (6056)، وَمُسْلِمٌ (105) عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوْعًا.
[4] وَالحَدِيْثُ بِتَمَامِهِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قَالَ: (جَلَسَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ التَّمِيْمِيُّوْنَ، فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ؛ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَنَا سَيِّدُ تَمِيْمٍ، وَالمُطَاعُ فِيْهِمْ، وَالمُجَابُ فِيْهِمْ، أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ فَآخُذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذَاكَ - يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الأَهْتَمِ -، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ: وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّهُ لَشَدِيْدُ العَارِضَةِ، مَانِعٌ لِجَانِبِهِ، مُطَاعٌ فِي نَادِيْهِ، قَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيْرَ مَا قَالَ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا الحَسَدُ، قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُكَ فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَئِيْمُ الخَالِ، حَدِيْثُ المَالِ، أَحْمَقُ الوَالِدِ، مُضَيِّعٌ فِي العَشِيْرَةِ، وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ لَقَدْ صَدَقْتَ فِيْمَا قُلْتُ أَوَّلًا، وَمَا كَذَبْتُ فِيْمَا قُلْتُ آخِرًا، لَكِنِّي رَجُلٌ رَضِيْتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتَ، وَغَضِبْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتَ، وَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الأَمْرِيْنِ جَمِيْعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا؛ إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا)). مُسْتَدْرَكُ الحَاكِمِ (6568).
وَفِي لَفْظٍ لِلحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَجُلًا أَوْ أَعْرَابِيًّا؛ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً)). صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (872). الصَّحِيْحَةُ (1731).
(5) وَمِنْهُ سُمِّيَتِ البَهِيْمَةُ بَهِيْمَةً؛ لِأَنَّهَا مُبْهِمَةٌ عَمَّا تُرِيْدُ.
[6] وَفِي لَفْظٍ أَيْضًا فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ (875) عَنِ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ المَشْرِقِ - خَطِيْبَانِ - عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَقَامَا فَتَكَلَّمَا ثُمَّ قَعَدَا، وَقَامَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ - خَطِيْبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَتَكَلَّمَ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِهِمَا، فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْطُبُ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُوْلُوا قَوْلَكُمْ، فَإِنَّمَا تَشْقِيْقُ الكَلَامِ مِنَ الشَّيْطَانِ)، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا) صَحِيْحٌ. صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (675). وَتَشْقِيْقُ الكَلَامِ: هُوَ المُبَالَغَةُ فِيْهِ وَتَزْيِيْنُهُ.
(7) قَالَ ابْنُ الرُّوْمِيِّ فِي دِيْوَانِهِ (169/ 2):
(في زُخْرُفِ القَوْلِ تَرْجِيْحٌ لِقَائِلِهِ ... وَالحَقُّ قَدْ يَعْتَرِيْهِ بَعْضُ تَغْيِيْرِ
تَقُوْلُ هَذَا مُجَاجُ النَّحْلِ تَمْدَحُهُ ... وَإِنْ تَعِبْ قُلْتَ ذَا قَيْءُ الزَّنَابِيْرِ
مَدْحًا وَذَمًّا ومَا جَاوَزْتَ وَصْفَهُمَا ... سِحْرُ البَيَانِ يُرِي الظَلْمَاءَ كَالنَّوْرِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 226
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست