responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 217
- المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) أنْكَرَ بَعْضُهُم تَلَبُّسَ الجِنِّيِّ بِالإِنْسِيِّ، وَقَالُوا: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ طَبِيعَتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا الجَوَابُ؟
نَقُوْلُ: قَدْ دَلَّتِ الشَّرِيْعَةُ عَلَى وُقُوْعِ هَذَا التَّلَبُّسِ فِي عِدَّةِ نُصُوْصٍ مِنْهَا: (1)
1) قَوْلُ اللهِ تَعَالَى {الَّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ الرِّبا لَا يَقُوْمُوْنَ إِلَّا كَمَا يَقُوْمُ الَّذِيْ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ} (البَقَرَة:275). (2)
قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [3]: (فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيْلٌ عَلَى فَسَادِ إنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ الصَّرَعَ مِنْ جِهَةِ الجِنِّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الطَّبَائِعِ [4]، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْلُكُ فِي الإِنْسَانِ وَلَا يَكُوْنُ مِنْهُ مَسُّ). [5] (6)
2) عَنْ عُثْمَان بْنِ أَبِي العَاصِ؛ أَنَّهُ شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَلُّتَ القُرْآنِ مِنْ صَدْرِهِ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: (يَا شَيْطَانُ! أُخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عُثْمَان)، فَمَا نَسِيْتُ شَيْئًا أُرِيْدُ حِفْظَهُ. (7)
3) عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ مَرْفُوْعًا (إِذَا تَثاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطاعَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (8)
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ [9]: (قَالَ العُلَمَاءُ: أُمِرَ بِكَظْمِ التَّثَاوبِ وَرَدِّهِ وَوَضْعِ اليَدِ عَلَى الفَمِ لِئَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْطَانُ مُرَادَهُ مِنْ تَشْوِيْهِ صُوْرَتِهِ، وَدُخُوْلِهِ فَمَهَ، وَضَحِكِهِ مِنْهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ). (10)
أَخِيْرًا؛ نَقُوْلُ: لَا يِلْزَمُ أَبَدًا مِنْ كَوْنِ الرَّجُلِ يُصْرَعُ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا بَدَرَ مِنْهُ فِي حَالِ صَرَعِهِ مُطْلَقًا، بَلْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى كَوْنِهِ مَغْلُوْبًا عَلَى عَقْلِهِ أَمْ غَيْرَ مَغْلُوْبٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ المَجْنُوْنِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعَنِ الصَّبِيِّ حتَّى يَحْتَلِمَ). [11] (12)

(1) وَهِيَ عَلَى سَبِيْلِ تَنْوِيْعِ أَوْجُهِ الدِّلَالَةِ لَا الجَمْعِ وَالاسْتِقْصَاءِ.
(2) وَفِي الحَدِيْثِ (مَنْ أَكَلَ الرِّبَا بُعِثَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَجْنُوْنًا يَتَخَبَّطَ. ثُمَّ قَرَأَ {الَّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ الرِّبا لَا يَقُوْمُوْنَ إِلَّا كَمَا يَقُوْمُ الَّذِيْ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ}). صَحِيْحٌ. الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيْرِ (110) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (1862).
[3] (335/ 3).
[4] كَجُمْلَةِ الأَمْرَاضِ العَصَبِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ.
[5] قُلْتُ: وَانْظُرْ وَتَعَجَّبْ مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ - صَاحِبِ الكَشَّافِ - رَحِمَهُ اللهُ وغَفَرَ لَهُ فِي تَفْسِيْرِهِ (320/ 1) حَيْثُ قَالَ:
({لَا يَقُوْمُوْنَ} إِذَا بُعِثُوا مِنْ قُبُوْرِهِم {إِلاَّ كَمَا يَقُوْمُ الَّذِيْ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ} أَي المَصْرُوْعُ. وَتَخَبُّطُ الشَّيْطَانِ مِنْ زَعَمَاتِ العَرَبِ، يَزْعُمُوْنَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْبِطُ الإِنْسَانَ فَيُصْرَعُ. وَالخَبْطَ: الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ كَخَبْطِ العَشْوَاءِ، فَوَرَدَ عَلَى مَا كَانُوا يَعْتَقِدُوْنَ. وَالمَسُّ: الجُنُوْنُ، وَرَجُلٌ مَمْسُوْسٌ - وَهَذَا أَيْضًا مِنْ زَعَمَاتِهِم - وَأَنَّ الجنِّيَّ يَمَسُّهُ فَيَخْتَلِطُ عَقْلَهُ، وَكَذَلِكَ جُنَّ الرَّجُلُ: مَعْنَاهُ ضَرَبَتْهُ الجِنُّ. وَرَأَيْتُهُم لَهُم فِي الجِنِّ قِصَصٌ وَأَخْبَارٌ وَعَجَائِبُ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ عِنْدَهُم كَإِنْكَارِ المُشَاهَدَاتِ).
قُلْتُ: العَجِيْبُ مِنْهُ كَيْفَ أَنَّهُ يَصِفُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ زَعَمَاتِ العَرَبِ؛ رُغْمَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَبَّهَ قِيَامَ آكِلِ الرِّبَا بِقِيَامِ مَنْ بهِ مَسٌّ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَهَلْ يُشَبِّهُ رَبُّنَا تَعَالَى شَيْئًا - وَاقِعٌ حَتْمًا - بِشَيْءٍ لَا حَقِيْقَةَ لَهُ، بَلْ وَيُؤَكِّدُهُ بِالاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ النَّفْي.
(6) وَقَرِيْبٌ مِنْ هَذَا فِي الدِّلَالَةِ حَدِيْثُ البُخَارِيِّ (6048) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ -، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ). فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ). فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُوْنٌ).
قُلْتُ: وَهُوَ صَرِيْحٌ فِي أَنَّ الشَّيْطَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي جُنُوْنِ النَّاسِ.
(7) صَحِيْحٌ. الطَّبَرَانِيُّ (8347)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبوَّةِ (307/ 5). الصَّحِيْحَةُ (2918).
وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَقِبَهُ: (وَفِي الحَدِيْثِ دِلَالَةٌ صَرِيْحَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَتَلَبَّسُ الإِنْسَانَ وَيَدْخُلُ فِيْهِ - وَلَوْ كَانَ مُؤْمِنًا صَالِحًا - وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيْثُ كَثِيْرْةٌ، ... وَمِثْلُهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّة؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنِي هَذَا بِهِ لَمَمٌ (جُنُوْنٌ) مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ؛ يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَدْنِيهِ)، فَأَدْنَتْهُ مِنْهُ، فَتَفَلَ فِي فِيْهِ، وَقَالَ: (أُخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ! أَنَا رَسُوْلُ اللهِ). رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .... ، وَبِالجُمْلَةِ فَالحَدِيْثُ بِهَذِهِ المُتَابَعَاتِ جَيِّدٌ).
(8) مُسْلِمٌ (2995).
وَبِمَعْنَاهُ (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (2039)، وَمُسْلِمٌ (2175) عَنْ صَفِيَّةَ مَرْفُوْعًا مَرْفُوْعًا.
[9] شَرْحُ مُسْلِمٍ (123/ 18).
(10) وَيُضَافُ لِذَلِكَ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَحْسُوْسٌ مِنْ أَحْوَالِ المَمْسُوْسِيْنَ مِنْ أَنَّ الجِنَّ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ.
قَالَ العَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (عُمْدَةُ القَارِي) (214/ 21): (وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ: قُلْتُ لِأَبِي: إِنَّ قَوْمًا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ الجِنَّ لَا تَدْخُلُ فِي بَدَنِ الإِنْسِ! فَقَالَ: يَا بُنَيَّ يَكْذِبُوْنَ، هُوَ ذَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ).
[11] صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (4399) عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (3512).
(12) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ المُحْسِنِ العَبَّادِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ - شَرِيْط رَقَم (496) - جَوَابًا عَلَى سُؤَالٍ (السُّؤالُ: هَلِ المَسْحُوْرُ أَوِ الَّذِيْ بهِ صَرَعٌ لَهُ حُكْمُ المَعْذُوْرِيْنَ؟ وَهَلْ إِذَا فَعَلَ إِثْمًا ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ مَسْحُوْرٌ - وَفَعَلَ هَذَا بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ - لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ؟
الجَوَابُ: إِذَا كَانَ فَاقِدَ العَقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فَاقِدَ العَقْلِ؛ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ العَوَارِضِ - وَعَقْلُهُ مَوْجُوْدٌ مَعَهُ - فَإِنَّهَ يُقَامُ عَلَيْهِ الحَدُّ، حَتَّى لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَلَمٌ أَوِ اكْتِئَابٌ وَعَدَمُ ارْتِيَاحٍ، لَكِنَّ الشَّيْءَ الَّذِيْ يُعْذَرُ فِيْهِ هُوَ فُقْدَانُ العَقْلِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 217
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست