responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 213
- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَوْرَدَ بَعْضُهُم بَعْضَ الشُّبُهَاتِ فِي شَأْنِ قَاتِلِ النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ [1]؛ مِنْهَا:
- الشُّبْهَةُ الأُوْلَى) أَنَّهُ خَالِدٌ فِي النَّارِ - وَهُوَ كَافِرٌ تَبَعًا لِذَلِكَ -، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيْمًا} (النِّسَاء:93) ([2]
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ ([3]):
أ) أَنَّ المُرَادَ بِالخُلُوْدِ هُوَ لِمُسْتَحِلِّ ذَلِكَ، وَالمُسْتَحِلُّ كَافِرٌ إِجْمَاعًا؛ وَتَبَعًا لِذَلِكَ هُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (مُتَعَمِّدًا): (أَيْ: مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ). [4] (5)
ب) أَنَّ الجَزاءَ فِي الآيَاتِ لَيْسَ المَقْصُوْدُ وُقُوْعُهُ؛ وَإنَّمَا الإِخْبَارُ عَنِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، فَهُوَ وَعِيْدٌ وَلَيْسَ بِوَعْدٍ. (6)
قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ (عَوْنُ المَعْبُوْدِ) [7]: (جُمْهُوْرُ السَّلَفِ وَجَمِيْعُ أَهْلِ السُّنَّةِ حَمَلُوا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيْظِ، وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ القَاتِلِ كَغَيْرِهِ، وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} أَيْ: إِنْ شَاءَ أَنْ يُجَازِيَهُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}). (8)
وَقَالَ أَبُو مِجْلَز: (هِيَ جَزَاؤُهُ؛ فَإِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ فَعَلَ). (9)
ج) أَنَّ هَذِهِ النُّصُوْصَ مَخَصُوْصَةٌ بِالنُّصُوْصِ الدَّالَّةِ عَلَى العَفْوِ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَبِالتَّوْبَةِ وَبِأَحَادِيْثِ الشَّفَاعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِخْرَاجِ المُوَحِّدَينَ مِنَ النَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيْمًا} (النِّسَاء:48).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ؛ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الجنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيْلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوْبُ اللهُ عَلَى القَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (10)
وَالشَّاهِدُ مِنَ الحَدِيْثِ كَوْنُهُ نَفَعَهُ عَمَلُهُ الصَّالِحُ؛ فَتَجَاوَزَ اللهُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ القَتْلِ.
د) أَنَّ الخُلُوْدَ هُنَا لَيْسَ عَلَى بَابِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ طُوْلُ البَقَاءِ.
قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [11]: (وَالخُلُودُ: البَقَاءُ، وَمِنْهُ جَنَّةُ الخُلْدِ. وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِيْمَا يَطُوْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ: خَلَّدَ اللهُ مُلْكَهُ أَيْ: طَوَّلَهُ.
قَالَ زُهَيْرٌ: (أَلَا لَا أَرَى عَلَى الحَوَادِثِ بَاقِيًا ... وَلَا خَالِدًا إِلَّا الجِبَالَ الرَّوَاسِيَا)).
قُلْتُ: وَقَدْ عُلِمَ يَقِيْنًا زَوَالُ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْسِفُ الجِبَالَ فَلَا تَبْقَى. [12] (13)

[1] وَلِتَمَامِ الفَائِدَةِ انْظُرْ شَرْحَ (بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيْمِ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا؛ وَمَا فِيْهِ مِنَ الكَلَامِ عَلَى نُصُوْصِ الوَعِيْدِ. وَفِي ظَاهِرِ هَذِهِ النُّصُوْصِ إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُفهَمُ مِنْهَا الكُفْرُ المُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ؛ وَأَنَّ صَاحِبَهَا خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ.
[2] وَبِمَعْنَاهَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوْعًا (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَاّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكَا أَوْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (4270). صَحِيْحُ الجَامِعِ (4524).
[3] وَهِيَ أَوْجَهُهَا. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[4] أَوْرَدَهُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيْرِ (334/ 5).
(5) قُلْتُ: وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (4270) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوْعًا (مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ؛ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا). صَحِيْحٌ. صَحِيْحُ الجَامِعِ (6454).
قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (348/ 7): (وفِي الحَدِيْثِ (مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بقتْلِه؛ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)؛ هَكَذَا جَاءَ الحَدِيْثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الحَدِيْثِ: قَالَ خَالِدُ بْنُ دَهْقَان - وَهُوَ رَاوِي الحَدِيْثِ -: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ عَنْ قَوْلِهِ (اِعْتبَطَ بِقَتْلِهِ)، قَالَ: الَّذِيْنَ يُقاتَلوْنَ فِي الفِتْنَةِ؛ فَيَرَى أَنَّهُ عَلَى هُدَى؛ لَا يَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَهَذَا التَّفْسِيْرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الغِبْطةِ - بِالغَيْنِ المُعْجَمَةِ - وَهِيَ الفَرَحُ وَالسُّرُوْرُ وَحُسْنُ الحَالِ، لِأَنَّ القَاتِلَ يَفْرَحُ بِقَتْل خَصْمِهِ، فَإِذَا كَانَ المَقْتُوْلُ مُؤْمِنًا وَفَرِحَ بِقَتْلِهِ دَخَلَ فِي هَذَا الوَعِيْدِ.
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ - وَشَرَحَ هَذَا الحَدِيْثَ - فَقَالَ: اعْتَبَطَ قَتْلَهُ، أَيْ: قَتَله ظُلْمًا لَا عَنْ قِصَاصٍ).
(6) كَمَا فِي الحَدِيْثِ (مَنْ وَعَدَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا، فَهُوَ مُنْجِزُهُ لَهُ، وَمَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا، فَهُوَ فِيْهِ بِالخِيَارِ). صَحِيْحٌ. أَبُو يَعْلَى (3316) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (2463).
[7] هُوَ مُحَمَّدُ؛ شَمْسُ الحَقِّ؛ العَظِيْمُ آبَادِي؛ أَبُو الطَّيِّبِ، (ت 1329هـ).
(8) عَوْنُ المَعْبُوْدِ (236/ 11).
وَقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللهُ: (وَمِنْ الحُجَّةِ فِي ذَلِكَ حَدِيْثُ الإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِيْ قَتَلَ تِسْعَة وَتِسْعِينَ نَفْسًا؛ ثُمَّ أَتَى تَمَامَ المِائَةِ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: لَا تَوْبَة لَكَ؛ فَقَتَلَهُ فَأَكْمَلَ بِهِ مِائَةَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرَ فَقَالَ لَهُ: وَمَنْ يَحُول بَيْنك وَبَيْن التَّوْبَةِ. الحَدِيْث. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ فَمِثْلُهُ لَهُمْ أَوْلَى لِمَا خَفَّفَ الله عَنْهُمْ مِنَ الأَثْقَالِ الَّتِيْ كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُم).
(9) حَسَنٌ مَقْطُوْعٌ. سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (4276). صَحِيْحُ أَبِي دَاوُدَ (4276).
وَأَبُو مِجْلَزٍ: هُوَ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ السَّدُوسِيُّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، (ت 110 هـ). اُنْظُرْ تَقْرِيْبَ التَّهْذِيْبِ (586/ 1).
(10) أَوْرَدَهُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيْحِهِ (2826) - بَابُ الكَافِر يَقْتُلُ المُسْلِمَ ثُمَّ يُسْلِمُ فَيُسَدِّدُ أَوْ يُقْتَلُ -، وَمُسْلِمٌ (1890).
[11] (241/ 1).
[12] قَالَ الشَّيخُ صَالِحُ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ العَقِيْدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ - شَرِيْط رَقَم (28) -: (الخُلُوْدُ فِي القُرْآنِ نَوْعَانِ: خُلُوْدٌ أَبَدِيٌّ، وَخُلُوْدٌ أَمَدِيٌّ.
الخُلُوْدُ فِي اللُّغَةِ - وَاسْتِعْمَالُ القُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ -: أَنَّ الخُلُوْدَ مَعْنَاهُ المُكْثُ الطَّوِيْلُ، إِذَا مَكَثَ طَوِيْلًا قِيْلَ لَهُ: خَالِدٌ، وَلِذَلِكَ العَرَبُ تُسَمِّي أَوْلَادَهَا خَالِدًا تَفَاؤُلًا بِطُوْلِ المُكْثِ؛ بِطُوْلِ العُمُرِ، سَمَّوْهُ خَالِدًا، يَعْنِي أَنَّهُ سَيُعَمِّرُ عُمْرًا طَوِيْلًا، وَلَيْسَ مَعْنَى الخُلُوْدِ يَعْنِي أَنَّهُ خُلُوْدٌ لَيْسَ مَعَهُ اِنْقِطَاعٌ، وَإِنَّمَا هَذَا يُمَيَّزُ بِالأَبَدِيَّةِ، لِهَذَا فِي الآيَاتِ ثَمَّ آيَاتٌ فِيْهَا {أَبَدًا}، وَثَمَّ آيَاتٌ لَيْسَ فِيْهَا الأَبَدِيَّةُ، فَلَمَّا جَاءَ فِي القَتْلِ قَالَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا} (النِّسَاء:93)، أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الخُلُوْدَ فِي هَذِهِ الآيَةِ لَيْسَ أَبَدِيًّا لِأَنَّ مُرْتَكِبَ الكَبِيْرَةِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِتَوْحِيْدِهِ).
(13) قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَيْضًا الجَوَابُ بِمِثْلِ مَا قالَه السِّنْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ النَّسَائِيِّ (81/ 7): (وَكَأَنَّ المُرَادَ: كُلُّ ذَنْبٍ تُرْجَى مَغْفِرَتُهُ ابْتِدَاءً إِلَّا قَتْلُ المُؤْمِنِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُغْفَرُ بِلَا سَبْقِ عُقُوْبَةٍ، وَإلَّا الكُفْرُ فَإِنَّه لَا يُغْفَرُ أَصْلًا).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 213
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست