responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 212
- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) احْتَجَّ بَعْضُهُم عَلَى عَدَمِ قَتْلِ السَّاحِرِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ سَحَرَهُ!
وَالجَوَابُ:
قَدْ تَقَدَّمَ عَمَلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ السَّاحِرِ، وَلَكِنَّ سَبَبَ عَدَمِ القَتْلِ هُنَا - أَيْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَحَرَهُ - هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
أ) أَنَّ سَاحِرَ أَهْلِ الكِتَابِ مُسْتَثْنَى مِنَ القَتْلِ، لِأَنَّ الأَصْلَ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا السَّاحِرُ الَّذِيْ أَصْلُهُ مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ مُرْتَدٌّ مُبَدِّلٌ لِدِيْنِهِ.
وَفِي الحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ - يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ الله - إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِيْنِهِ؛ المُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [1] (2)
ب) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ دَرْءًا لِلفِتْنَةِ، كَمَا فِي نَفْسِ الحَدِيْثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، وَفِيْهِ (فَقُلْتُ: يَا رَسُوْل اللهِ؛ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ! قَالَ: (لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ). [3] (4)
جـ) أَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقَدْ عَفَا عَمَّن سَحَرَهُ. (5)

[1] البُخَارِيُّ (6867)، وَمُسْلِمٌ (1676).
(2) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (277/ 6) - تَعْلِيْقًا عَلَى تَبْوِيْبِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: بَابُ هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِيِّ إِذَا سَحَرَ -: (قَالَ ابْنُ بَطَّال: لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ أَهْلِ العَهْدِ لَكِنْ يُعَاقَبُ، إِلَّا إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ، أَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُوْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ؛ نُقِضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ).
وَقَالَ العَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (عُمْدَةُ القَارِي) (63/ 14): (وَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الكِتَابِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيْفَةَ كَمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ المُسْلِمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ لِقِصَّةِ لَبِيْدِ بْنِ أَعْصَمٍ).
[3] وَهُوَ لَفْظٌ لِمُسْلِمٍ (2189).
(4) اعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ هَذَا الحَدِيْثِ فِي شَأْنِ اسْتِخْرَاجِ السِّحْرِ وَقَتْلِ السَّاحِرِ مُتَنَوِّعَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَلَمْ أَجِدْ مَا يَرْوِي الغَلِيْلَ إِلَّا مَا وَجَّهَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (كَشْفُ المُشْكِلِ مِنْ حَدِيْثِ الصَّحِيْحَيْن) (341/ 4)، فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَوْلُهَا: أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ وَفِي لَفْظٍ فَهَلَّا أَحْرَقْتَهُ؟ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الَّذِيْ سُحِرَ فِيْهِ، إِلَّا أَنَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيْقٍ آخَرَ وَفِيْهِ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَفَلَا تَأْخُذُ الخَبِيْثَ فَتَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ: (أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانيَ اللهُ؛ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيْرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِشَارَةَ إِلَى اليَهُوْدِيِّ السَّاحِرِ! وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لِلسَّاحِرِ وَذَلِكَ لِلسِّحْرِ).
قُلْتُ: وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَخْرَجَ السِّحَرَ أَصْلًا وَحَلَّهُ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (19267)، وَالنَّسائيِّ فِي الكُبْرَى (3529) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمٍ بِلَفْظِ (فَاسْتَخْرَجَهَا فَجَاءَ بِهَا فَحَلَّلَهَا). وَأَوْرَدَهُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الصَّحِيْحَةِ (2761) بِلَفْظِ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَحُلَّ العُقَدَ - أَيْ: لِعَليٍّ -).
(5) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (236/ 10): (وَإنَّمَا لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِيْدَ بْنَ الأَعْصَمِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ خَشِيَ إِذَا قَتَلَهُ أَنْ تَثُوْرَ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ مِنْ نَمَطِ مَا رَاعَاهُ مِنْ تَرْكِ قَتْلِ المُنَافِقِيْنَ سَوَاءً كَانَ لَبِيْدُ يَهُوْدِيًّا أَوْ مُنًافِقًا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الاخْتِلَافِ فِيْهِ).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 212
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست