responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 169
- الفَصْلُ السَّادِسُ: فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي المَسَاجِدِ المَبْنِيَّةِ عَلَى القُبُوْرِ:
اعْلَمْ أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ المَسَاجِدِ هُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ العُلَمَاءِ, وَإنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِهَا. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الحَنَابِلَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ.
وَالحُكْمُ هُوَ عَلَى دَرَجَاتٍ:
1) مَنْ تَقَصَّدَ المَسْجِدَ لِأَجْلِ القَبْرِ؛ فَالصَّلَاةُ مُحَرَّمَةٌ، بَلْ وَبَاطِلَةٌ. (1)
2) مَنْ لَمْ يَتَقَصَّدِ المَسْجِدَ لِأَجْلِ القَبْرِ، فَيُقَالُ: إِنَّ الصَّلَاةَ مَنْهيٌّ عَنْهَا، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ البُطْلَانُ. (2)
3) مَنْ لَمْ يَتَقَصَّدِ المَسْجِدَ لِأَجْلِ القَبْرِ، وَإنَّمَا صَلَّى اتِّفَاقًا - أَيْ صَادَفَهُ القَبْرُ -، فَهَذَا إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْرِكَ الجَمَاعَةَ فِي غَيْرِهِ مِنَ المَسَاجِدِ كَانَ هَذَا هُوَ الوَاجِبُ فِي حَقِّهِ، وَإلَّا صَلَّى فِيْهِ لِإِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ الوَاجِبَةِ فِي حَقِّهِ. (3)
- فَائِدَةٌ) لَا تُصَلَّى فِي المَقْبَرَةِ إِلَّا الجَنَازَةُ: (4)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) [5]: (قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: (وَقَدْ قَالَ نَافِعُ - مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ -: صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَة وَأُمِّ سَلَمَةَ وَسَطَ البَقِيْعِ، وَالإِمَامُ يَوْمَئِذٍ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ). (6)
قُلْتُ: وَصَلَاةُ الجَنَازَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ النَّهْي عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: (لَا يُصَلَّى فِي مَسْجِدٍ بَيْنَ المَقَابِرِ إِلَّا الجَنَائِزُ؛ لِأَنَّ الجَنَائِزَ هَذِهِ سُنَّتُهَا) يُشِيْرُ إِلَى فِعْلِ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: (وَرُوِّيْنَا أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ كَانَ يُصَلِّي فِي المَقْبَرَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِقَبْرٍ) [7]).
قُلْتُ: فَتُصَلَّى الجَنَازةُ فِي المُصَلَّى الخَاصِّ بِهَا عِنْدَ المَقْبَرَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ القُبُوْرِ، وَذَلِكَ لِحَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهى أَنْ يُصَلَّى عَلَى الجَنَائِزِ بَيْنَ القُبُوْرِ). (8)
وَأَمَّا حَدِيْثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِيْ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ فَجَائِزَةٌ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَكِنَّ التَّفْرِيْقَ بَيْنَ الحَالَتِيْنِ هُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الجَنَازَةِ بَيْنَ القُبُوْرِ هُوَ قَبْلَ دَفْنِ المَيِّتِ، أَمَّا صُوْرَةُ الحَالَةِ الثَّانيةِ عِنْدَ القَبْرِ فَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا [9]، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الأَدِلَّةُ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (10)

(1) خَاصَّةً أَنَّ عِلَّةَ النَّهْي عَنِ اتِّخَاذِ القَبْرِ مَسْجِدًا هِيَ نَفْسُ تِلْكَ المَوْجُوْدَةِ فِي هَذَا التَّقَصُّدِ؛ وَهِيَ الافْتِتَانُ بِالميِّتِ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ دُوْنَ اللهِ تَعَالَى؛ سَوَاءً كَانَ المُسَمَّى بِذَلِكَ القَصْدِ شَفَاعَةً أَوْ تَوَسُّلًا أَوْ تَوَسُّطًا إِلَى اللهِ تَعَالَى.
(2) قُلْتُ: وَلَعلَّهُ أَيْضًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ (الأُمُّ) (317/ 1): (وَأكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ مَسْجِدٌ؛ وَأَنْ يُسَوَّى، أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوَّى - يَعْنِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ مَعْرُوْفٌ - أَوْ يُصَلَّى إِلَيْهِ. قَالَ: وَإنْ صَلَّى إِلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ).
وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الكِتَابِ: (إِنَّ المَسْأَلَةَ بِحَاجَةٍ لِتَوْسِيْعٍ أَكْثَرَ فِي البَحْثِ، عِلْمًا أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الحَنَابِلَةِ - كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - هُوَ البُطْلَانُ).
(3) قَالَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّوْرِ (ش543)، وَهُوَ عَلَى قَاعِدَةِ (مَا حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيْعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ).
(4) كَمَا فِي الحَدِيْثِ الَّذِيْ فِي البُخَارِيِّ (460)، وَمُسْلِمٍ (956) فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجَنَازَةَ عِنْدَ قَبْرِ المَرْأَةِ الَّتِيْ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ.
[5] (197/ 3).
(6) قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الكِتَابِ (ص124): (أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي المُصَنَّفِ (1594/ 407/1) بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنْ نَافِعٍ).
[7] رَوَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ فِي الأَوْسَطِ (183/ 2 - 185/ 2)، وَفِيْهِ خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ الهَمْدَانِيُّ؛ ضَعَّفُوْهُ. اُنْظُرْ كِتَابَ (مِيْزَانُ الاعْتِدَالِ) (645/ 1).
(8) صَحِيْحٌ. الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ (5631). أَحْكَامُ الجَنَائِزِ (ص108) لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
[9] قَالَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّوْرِ (ش231).
(10) وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ - كَالمُنَاوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَيْضُ القَدِيْرِ) (341/ 6) - إِلَى أَنَّ النَّهيَ هُوَ لِلكَرَاهَةِ التَّنْزِيهيَّةِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي حَدِيْثِ المَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِيْ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذِهِ القُبُوْرَ مَمْلُوْءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ يُنَوِّرُهَا عَلَيْهِمْ بِصَلَاتِي) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (956) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ} (التَّوْبَة:103). قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي التَّفْسِيْرِ (454/ 14): (إِنَّ دُعَاءَكَ وَاسْتِغْفَارَكَ طَمَأْنِيْنَةٌ لَهُمْ).
قُلْتُ: وَلَكِنْ سَبَقَ مَعَنَا قَوْلُ نَافِعٍ (صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَة وَأُمِّ سَلَمَةَ وَسَطَ البَقِيْعِ). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 169
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست