responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 163
- الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: كَوْنُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ فِي مَسْجِدِهِ الشَّرِيْفِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَمَا دَفَنَهُ أَصْحَابُهُ رِضْوُانُ اللهِ عَلَيْهِم فِي مَسْجِدِهِ!
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
1) أَنَّ هَذَا - وَإِنْ كَانَ هُوَ المُشَاهَدُ اليَوْمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم؛ فَإِنَّهُم لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ دَفَنُوْهُ فِي حُجْرَتِهِ الَّتِيْ كَانَتْ بِجَانِبِ مَسْجِدِهِ وَكَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فِيْهِ بَابٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى المَسْجِدِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوْفٌ مَقْطُوْعٌ بِهِ عِنْدَ العُلَمَاءِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُم، وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم حِيْنَمَا دَفَنُوْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ فِي الحُجْرَةِ؛ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَيْ لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ بَعْدَهُم مِنِ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ مَسْجِدًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي حَدِيْثِ عَائِشَة وَغَيْرِهِ, وَلَكِنْ وَقَعَ بَعْدَهُم مَا لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِم، ذَلِكَ أنَّ الوَلِيْدَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ أَمَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ بِهَدْمِ المَسْجِدِ النَّبَويِّ وَإِضَافَةِ حُجَرِ أَزْوَاجِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ إِلَيْهِ فَأُدْخِلَتْ فِيْهِ الحُجْرَةُ النَّبَويَّةُ - حُجْرَةُ عَائِشَةَ - فَصَارَ القَبْرُ بِذَلِكَ فِي المَسْجِدِ, وَلَمْ يَكُنْ فِي المَدِيْنَةِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ حِيْنَذَاكَ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُم. (1)
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الصَّارِمُ المُنْكي فِي الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِيِّ) [2]: (وَإنَّمَا أُدْخْلَتِ الحُجْرَةُ فِي المَسْجِدِ فِي خِلَافَةِ الوَلِيْدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ بَعْدَ مَوْتِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ كَانُوا بِالمَدِيْنَةِ، وَكَانَ آخِرَهُم مَوْتًا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَتُوفِّيَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فَإِنَّه تُوفيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَالوَلِيْدُ تَوَلَّى سَنَةَ سِتِّ وَثَمَانِيْنَ، وَتُوفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، فَكَانَ بِنَاءُ المَسْجِدِ وَإدْخَالُ الحُجْرَةِ فِيْهِ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ).
وَعَلَيْهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِفِعْلِ الوَلِيْدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ عَلَى أَحَادِيْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ النَّاهِيَةِ؛ مَعَ مَا عَلِمْتَ مِنْ سَعْي الصَّحَابَةِ إِلَى عَزْلِ القَبْرِ عَنِ المَسْجِدِ. (3)
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: (وَلَمَّا احْتَاجَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ وَالتَّابِعُوْنَ إِلَى الزِّيَادَة فِي مَسْجِدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ كَثُرَ المُسْلِمُوْنَ؛ وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ بُيُوْتُ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ فِيْهِ، - وَمِنْهَا حُجْرَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ مَدْفِنُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -؛ بَنَوْا عَلَى القَبْرِ حِيْطَانًا مُرْتَفِعَةً مُسْتَدِيْرَةً حَوْلَهُ لِئَلَّا يَظْهَر فِي المَسْجِدِ - فَيُصَلِّي إِلَيْهِ العَوَامُّ وَيُؤَدِّي المَحْذُوْرِ - ثُمَّ بَنَوْا جِدَارَيْنِ مِنْ رُكْنَيْ القَبْرِ الشَّمَالِيَّيْنِ، وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى التَقَيَا؛ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ القَبْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيْثِ: (لَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذ مَسْجِدًا). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ). (4)
2) أَنَّ القَبْرَ مَعْزُوْلٌ عَنِ المَسْجِدِ لَا سِيَّمَا وَأَنَّهُ قَدْ أُحِيْطَ بِجُدْرَانٍ عِدَّةٍ تَعْزِلُهُ عَنِ المَسْجِدِ [5]، لِذَلِكَ لَوْ تَقَصَّدَ رَجُلٌ أَنْ يُصَلِّيَ عِنْدَ القَبْرِ وَيَرْتَكِبَ المَحْذُوْرَ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيْعَ لِأَنَّ القَبْرَ مَعْزُوْلٌ عَنِ المَسْجِدِ قَدْ أُغْلِقَتْ كُلُّ المَنَافِذِ إِلَيْهِ، فَبِذَلِكَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِ صُوْرَتِهِ صُوْرَةَ قَبْرٌ فِي مَسْجِدٍ. (6)
وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنَ القَوْلِ بِأَنَّ المَسْجِدَ النَّبَويَّ - عَلَى فَرْضِ أَنَّ الآنَ صُوَرتُهُ صُوْرَةُ قَبْرٍ فِي مَسْجِدٍ، فَلَا يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ النَّهْي لِمَا لَهُ مِنْ فَضِيْلَةٍ عُظْمَى فِي مُضَاعَفَةِ أَجْرِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا مَعْرُوْفٌ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِقَاعِدَةِ (مَا حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيْعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ). (7)
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الجَوَابُ البَاهِرُ فِي حُكْمِ زِيَارَةِ المَقَابِرِ): (وَالصَّلَاةُ فِي المَسَاجِدِ المَبْنِيَّةِ عَلَى القُبُوْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا مُطْلَقًا؛ بِخِلَافِ مَسْجِدِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيْهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ، فَإِنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَكَانَتْ حُرْمَتُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ قَبْلَ دُخُوْلِ الحُجْرَةِ فِيْهِ حِيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيْهِ وَالمُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ، وَالعِبَادَةُ فِيْهِ إذْ ذَاكَ أَفْضَلُ وَأَعْظَمُ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ إدْخَالِ الحُجْرَةِ فِيْهِ؛ فَإِنَّهَا إنَّمَا أُدْخِلَتْ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ فِي إمَارَةِ الوَلِيْدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ). (8)

(1) بَلْ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا جَعَلَتْ جِدَارًا فِي بيْتِهَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ القَبْرِ، كَمَا فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ (294/ 2) عَنِ الإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَقُوْلُ: (قُسِمَ بَيْتُ عَائِشَة بِاثْنَيْن: قِسْمٌ كَانَ فِيْهِ القَبْرُ، وَقِسْمٌ تَكُوْنُ فِيْهِ عَائِشَةُ، وَبَيْنَهُمَا حَائِطٌ).
[2] (ص151).
(3) هَذَا وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ كَثِيْرْةٌ فِي بَيَانِ إِنْكَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم عَنْ ذَلِكَ البِنَاءِ وَالاتِّخَاذِ، وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ ثَلَاثَةٌ:
أ) أَوْرَدَ السُّيُوْطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الجَامِعِ الكَبِيْرِ (وَالأَثَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ زَنْجَوِيه) عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَة؛ قَالَ: لَمَّا ائْتَمَرُوا فِي دَفْنِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَقَامِهِ! قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَجْعَلَهُ وَثَنًا يُعْبَدُ. وَقَالَ آخَرُوْنَ: نَدْفِنُهُ فِي البَقِيْعِ حَيْثُ دُفِنَ إِخْوَانُهُ مِنَ المَهَاجِرِيْنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نُخْرِجَ قَبْرَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البَقِيْعِ فَيَعُوْذُ بهِ عَائِذٌ مِنَ النَّاسِ - للهِ عَلَيْهِ حَقٌّ - وَحَقُّ اللهِ فَهُوَ حَقُّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنْ أَخَذْنَا بِهِ ضَيَّعْنَا حَقَّ اللهِ، وَإِنْ أَخْفَرْنَاهُ أَخْفَرْنَا قَبْرَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: فَمَا تَرَى أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قَبَضَ رُوْحَهُ). قَالُوا: فَأَنْتَ - وَاللهِ - رَضِيُّ مُقْنِعٌ، ثُمَّ خَطُّوا حَوْلَ الفِرَاشِ خَطًّا، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلِيٌّ وَالعبَّاسُ وَالفَضْلُ وَأَهْلُهُ، وَوَقَعَ القَوْمُ فِي الحَفْرِ يَحْفِرُوْنَ حَيْثُ كَانَ الفِرَاشُ. ذَكَرَهُ فِي فِضَائِلِ الصِّدِّيْقِ.
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (تَحْذِيْرُ السَّاجِدِ) (ص13): (قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ: (وَهُوَ مُنْقَطِعٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، فَإِنَّ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ - مَعَ ضَعْفِهِ - لَمْ يُدْرِكْ أيَّامَ الصِّدِّيْقِ). كَذَا فِي (الجَامِعِ الكَبِيْرِ) لِلسُّيُوْطِيِّ (3/ 147/12)).
ب) رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ (21/ 4) عَنْ سَالِمِ أَبِي النَّضْرِ؛ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ المُسْلِمُوْنَ فِي عَهْدِ عُمَرَ ضَاقَ بِهُمُ المَسْجِدُ؛ فَاشْتَرَى عُمَرُ مَا حَوْلَ المَسْجِدِ مِنَ الدُّوْرِ إِلَّا دَارَ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلبِ وَحُجَرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلعَبَّاسِ: يَا أَبَا الفَضْلِ إِنَّ مَسْجِدَ المُسْلِمِيْنَ قَدْ ضَاقَ بِهِم، وَقَدْ ابْتَعْتُ مَا حَوْلَهُ منَ المَنَازِلِ نُوَسِّعُ بهِ عَلَى المُسْلِمِيْنَ فِي مَسْجِدِهِم إِلَّا دَارَكَ وَحُجَرَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَمَّا حُجُرَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْن فَلَا سَبِيْلَ إِلَيْهَا، وَأَمَّا دَارُكَ فَبِعْنِيْهَا بِمَا شِئْتَ مِنْ بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِيْنَ أُوَسِّعُ بِهَا فِي مَسْجِدِهِم).
جـ) أَنْكَرَ سَعِيْدُ بْنُ المَسَيِّبِ رَحِمَهُ اللهُ (وَقَدْ تُوُفِّيَ بَعْدَ التِّسْعِيْن) ذَلِكَ الِإدْخَالَ, فَقَدْ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَارِيْخِهِ (415/ 12) بَعْدَ أَنْ سَاقَ قِصَّةَ إِدْخَالِ الحُجْرَةِ فِي المَسْجِدِ: (وَيُحْكَى أَنَّ سَعِيْدَ بْنَ المُسَيِّبِ أَنْكَرَ إِدْخَالَ حُجْرَةِ عَائِشَة فِي المَسْجِدِ - كَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ القَبْرُ مَسْجِدًا -).
(4) شَرْحُ مُسْلِمٍ (14/ 5).
تَنْبِيْهٌ) عَزُو إِدْخَالِ الحُجْرَةِ فِي المَسْجِدِ إِلَى الصَّحَابةِ لَا يَثْبُتُ؛ كَمَا أَوْضَحَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الصَّارِمُ المُنْكِي) (ص151).
قُلْتُ: وَفِي (إِكْمَالِ المُعَلِّمِ) (252/ 2) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلقَاضِي عِيَاض: (وَلِهَذَا لَمَّا احْتَاجَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَكَاثُرِهِم بِالمَدِيْنَةِ، وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ أُدْخِلَ فِيْهَا بُيُوْتَ أَزْوَاجِهِ)، فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّحَابَةَ؛ فَتَنَبَّهْ.
[5] وَالمَوْجُوْدُ عَلَيْهِ الآنَ مِنَ الجُدْرَانِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ:
فَالجِدَارُ الأَوَّلُ - وَهُوَ مُغْلَقٌ تَمَامًا - هُوَ جِدَارُ حُجْرَةِ عَائِشَةَ - وَهُوَ الَّذِيْ سَقَطَ فأُعِيْدَ وَسُدَّ بَابُهُ.
وَالجِدَارُ الثَّانِي هُوَ الَّذِيْ عُمِلَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي إِمَارَةِ الوَلِيْدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، جَعَلُوا جِهَةَ الشَّمَالِ - وَهِيَ عَكْسُ جِهَةِ القِبْلَةِ- جَعَلُوْهَا مُثَلَّثَةً.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَزْمَان جَاءَ جِدَارٌ ثَالِثٌ أَيْضًا وَبُنيَ حَوْلَ هَذَيْنِ الجِدَارَيْنِ، وَهُوَ الَّذِيْ قَالَ فِيْهِ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي القَصِيْدَةِ النُّونِيَّةِ يَذْكُرُ دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ) - وَهُوَ صَحِيْحٌ؛ وَسَيَأْتِي - قَالَ: (فَأَجَابَ رَبُّ العَالَمِيْنَ دُعَاءَهُ ... وَأَحَاطَهُ بِثَلَاثَةِ الجُدْرَانِ
حَتَّى غَدَتْ أَرْجَاؤُهُ بِدُعَائِهِ ... فِي عِزَّةٍ وحِمَايَةٍ وَصِيَانِ)
وَهَذَا الجِدَارُ كَبِيْرٌ مُرْتَفِعٌ إِلَى فَوْقٍ، وُضِعَتْ عَلَيْهِ القُبَّةُ فِيْمَا بَعْدُ - وَهَذِهِ القُبَّةُ بُنِيَتْ سَنَةَ (778 هـ) فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ المَلِكِ المَنْصُوْرِ قَلَاوون -، وَكُلُّ هَذِهِ الجُدْرَانِ لَيْسَ لَهَا بَابٌ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وُضِعَ السُّوْرُ الحَدِيْدِيُّ هَذَا وَهُوَ الرَّابِعُ، وَهَذَا السُّوْرُ الحَدِيْدِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الثَّالِثِ نَحْوَ مِتْرٍ وَنِصْفٍ فِي بَعْضِ المَنَاطِقِ وَنَحْوَ مِتْرٍ فِي بَعْضِهَا، وَبَعْضُهَا نَحْوَ مِتْرٍ وَثَمَانِيْنَ (سَنْتِيمِتْر) إِلَى مِتْرَيْنِ فِي بَعْضِهَا، يَضِيْقُ وَيَزْدَادُ. اُنْظُرْ كِتَابَ (التَّمْهِيْدُ) (ص261) لِلشَّيْخِ صَالِحِ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ.
(6) وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ - مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ هَذَا الأَمْرِ عِنْدَ التَّابِعِيْنَ وَمَنْ بَعْدَهُم - أَنَّهُم أَخَذُوا مِنَ الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ الَّتِيْ هِيَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ؛ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1196)، وَمُسْلِمٌ (1391) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا، فَأَخَذُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْتَارٍ كَيْ يَقُوْمَ الجِدَارُ الثَّانِي ثُمَّ يَقُوْمَ الجِدَارُ الثَّالِثُ ثُمَّ يَقُوْمَ السُّوْرُ الحَدِيْدِيُّ، وَمَا هَذَا إِلَّا لِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ شَأْنِ الرَّوْضَةِ؛ أَلَا وَهُوَ الخَوْفُ مِنَ الافْتِتَانِ بِالقَبْرِ وَاتِّخَاذِهِ مَسْجِدًا.
(7) وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القَاعِدَةَ ابْنُ القيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (108/ 2).
(8) وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الأَفَاضِلِ إِلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ جَاءَ مِنْ كَوْنِ المَسْجِدِ طَارِئًا عَلَى القَبْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ. وَهُوَ جَوَابٌ ضَعِيْفٌ سَبَقَ رَدَّهُ فِي مَسَائِلِ البَابِ المَاضِي، وَالحَمْدُ للهِ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 163
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست