responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 128
- المُشْرِكونَ جَعَلُوا وَسِيْلَةَ شَفَاعَتِهِم عِنْدَ اللهِ تَعَالَى هُوَ عَيْنَ مَا يَحْرِمُهُم مِنْهَا، لِذَلِكَ كَانُوا مِمَّنْ قَالَ تَعَالَى فِيْهِم: {الَّذِيْنَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُوْنَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُوْنَ صُنْعًا} (الكَهْف:104). فَشِرْكُهُم فِي الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالتَّعَلُّقِ هُوَ سَبَبُ حِرْمَانِهِم مِنَ الشَّفَاعَةِ. كَمَا فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيْثِ. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ -). (1)
- السِّرُّ فِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بإذْنِهِ هُوَ: كَمَالُ مُلْكِهِ، وَكَمَالُ عِلْمِهِ: (2)
1) فَمَنْ كَانَ مُلْكُهُ نَاقِصًا لَزِمَتْهُ الاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ كَيْ يَقْضِيَ حَوَائِجَهُ، لِذَا فَهُوَ لَا يَرْفُضُ طَلَبَهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، فَهُوَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لِمَا لَهُ مِنْ مِنَّةٍ عَلَيْهِ.
لَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لِكَمَالِ مُلْكِهِ هُوَ غَنِيٌّ عَنْهُم؛ فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدًا مِنْهُم سُبْحَانَهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُوْنِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُوْنَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُوْنَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيْعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ} (الزُّمَر:44).
2) وَمَنْ كَانَ عِلْمُهُ قَاصِرًا أَيْضًا لَزِمَهُ مَنْ يُطْلِعُهُ عَلَى مَا فَاتَ عَنْهُ، كَحَالِ الوُزَرَاءِ وَالحُجَّابِ مَعَ المُلُوْكِ، لِذَا فَهُوَ لَا يَرُدُّ طَلَبَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ المَلَائِكَةِ: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُوْنَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُوْنَ} (الأَنْبِيَاء:28). (3)
قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ الشَّافِعِيْنَ مَعَ المَشْفُوْعِ عِنْدَهُم تَجِدُهَا مِنْ هَذَا القَبِيْلِ.
وَبِمَعْرِفَةِ مَا سَبَقَ يُفْتَحُ لَكَ بَابٌ فِي مَعْرِفَةِ سَبَبِ كَوْنِ آيَةِ الكُرسيِّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى [4]، حَيْثُ ذُكِرَ فِيْهَا كَمَالُ مُلْكِ وَعِلْمِ اللهِ تَعَالَى مَعًا، وَذُكِرَ فِيْهَا أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِيْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيْطُوْنَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُوْدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيْمُ} (البَقَرَة:255).

(1) البُخَارِيُّ (99).
(2) (إِعَانَةُ المُسْتَفِيْدِ) (327/ 1) لِلشَّيْخِ الفَوْزَانِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى، بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
(3) وَيُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ ثَالِثٌ، وَهُوَ كَمَالُ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ لِمَنْ يَشْفَعُ عِنْدَهُ كَيْ يُوَدِّدَ إِلَيْهِ فُلَانًا مِنَ النَّاسِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ -، فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْمُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى - كَمَا سَيَأْتِيْ فِي كَلَامِ شَيْخِ الإِسْلَامِ - هُوَ الَّذِيْ يَجْعَلُ شَفَاعَةَ الشَّافِعِ سَبَبًا لِحُصُوْلِ رَحْمَتِهِ تَعَالَى بِالمَشْفُوْعِ فِيْهِ.
[4] عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا المُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟). قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (يَا أَبَا المُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟). قَالَ: قُلْتُ: اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحيُّ القَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (وَاللَّهِ؛ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا المُنْذِرِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (810).
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 128
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست