responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 104
الدَّلِيْلُ الثَّالِثُ) حَدِيْثُ قَلِيْبِ بَدْرٍ؛ وَأَقْتَصِرُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِيْهِ:
1) حَدِيْثُ ابْنِ عُمَرَ فِي البُخَارِيِّ؛ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلِيْبِ بَدْرٍ؛ فَقَالَ: (هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟) ثُمَّ قَالَ: (إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُوْلُ)، فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ؛ فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُوْنَ أَنَّ الَّذِيْ كُنْتُ أَقُوْلُ لَهُمْ هُوَ الحَقُّ) ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى} حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ. [1] (2)
2) حَدِيْثُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ [3] أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِيْنَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيْدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيْثٍ (وَسِخٍ) مُخْبِثٍ - وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ -، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ اليَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ؛ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: (يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ؛ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُوْلَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟؟) قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِيْ نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُوْلُ مِنْهُمْ). قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيْخًا وَتَصْغِيْرًا وَنَقمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.
وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ أُمُوْرٌ:
أ- مَا فِي الرِّوَايَةِ الأُوْلَى مِنْ تَقْيِيْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَاعَ مَوتَى القَلِيْبِ بِقَوْلِهِ (الآنَ)، فَإِنَّ مَفْهومَهُ أَنَّهُم لَا يَسْمَعُوْنَ فِي غَيْرِ هَذَا الوَقْتِ، وَهُوَ المَطْلُوْبُ.
فَفِيْهَا تَنْبِيْهٌ قَوِيٌّ عَلَى أَنَّ الأَصْلَ فِي المَوْتَى أَنَّهُم لَا يَسْمَعُونَ؛ وَلَكِنَّ أَهْلَ القَلِيْبِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ قَدْ سَمِعُوا نِدَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بِإِسْمَاعِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُم خَرْقًا لِلعَادَةِ وَمُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ أَوْرَدَهُ الخَطِيْبُ التَّبْرِيْزِيُّ فِي بَابِ المُعْجِزَاتِ مِنْ مِشْكَاةِ المَصَابِيْحِ. (4)
ب - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا كَانَ مُسْتَقِرًّا فِي نُفُوْسِهِم وَاعْتِقَادِهِم أَنَّ المَوْتَى لَا يَسْمَعُوْنَ [5]، حَيْثُ بَادَرَ الصَّحَابَةُ [6] لَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْتَى القَلِيْبِ بِقَوْلِهِم: (مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ؛ لَا أَرْوَاحَ فِيْهَا؟) فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُم كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِذَلِكَ سَابِقٍ تَلَقَّوهُ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا لَمْ يُبَادِرُوا لِذَلِكَ الإِنْكَارِ. (7)
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَطِّأ فَهْمَهُم وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إِلَى تَخْصِيْصِ هَذَا السَّمَاعِ بِأَمْرَيْنِ وَهُمَا: (الآنَ) بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ، وَ (إنَّهُم) أَيْ: أَهْلَ القَليْبِ؛ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ جَمْيِعِ المَوْتَى.
ج - قَوْلُ رَاوِي الحَدِيْثِ قَتَادَةَ؛ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَحْيَاهُم لِيَسْمَعُوا التَّوْبِيْخَ وَلِيَزْدَادُوا حَسْرَةً وَنَدَمًا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَمْوَاتَ لَا يَسْمَعُوْنَ أَصْلًا.
- فَائِدَةٌ) يَظْهَرُ أَنَّ مُنَادَاةَ الكُفَّارِ بَعْدَ هَلَاكِهِم سُنَّةٌ قَدِيْمَةٌ مِنْ سُنَنِ الأَنْبِيَاءِ؛ فَقَد قَالَ تَعَالَى فِي قَوْمِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِيْنَ، فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّوْنَ النَّاصِحِيْنَ} (الأَعْرَاف:79).
قَالَ ابْنُ كَثِيْر رَحِمَهُ اللهُ [8]: (هَذَا تَقْرِيْعٌ مِنْ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ - لَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللهُ بِمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّاهُ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللهِ وَإِبَائِهِمْ عَنْ قَبُوْلِ الحَقِّ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الهُدَى إِلَى العَمَى -، قَالَ لَهُمْ صَالِحُ ذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ تَقْرِيْعًا وَتَوْبِيْخًا - وَهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ - كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ) ... فذَكَرَ حَدِيْثَ القَلِيْبِ. (9)

[1] البُخَارِيُّ (3980).
(2) هُنَا لَا يُقْبَلُ تَقْدِيْمُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى كَلَامِ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِدَعْوَى أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَشْهَدْ ذَلِكَ؛ وَهَذَا بِسَبَبِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَيْضًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا أَيْضًا، حَيْثَ جَاءَ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (1868) أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ فَلَمْ يُجِزْهُ لِلقِتَالِ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ حَدِيْثُهُ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ مَا رُويَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي تَأْيِيْدِ مَا رَوَاهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِ (السِّيْرَةُ النَّبَوِيَّةُ) (450/ 2): (الصَّوَابُ: قَوْلُ الجُمْهُوْرِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُم؛ لِلأَحَادِيْثِ الدَّالَّةِ نَصًّا عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا وَأَرْضَاهَا).
[3] البُخَارِيُّ (3976)، وَمُسْلِمٌ (2875).
(4) قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (232/ 13): (وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَا أَنْتُم بِأَسْمَعَ مِنْهُم)، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (فيُشْبِهُ أَنَّ قِصَّةَ بَدْرٍ خَرْقُ عَادَةٍ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ رَدَّ اللهُ إِلَيْهِم إِدْرَاكًا سَمِعُوا بِهِ مَقَالَهُ، وَلَوْلَا إِخْبَارُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَمَاعِهِم لَحَمَلْنَا نِدَاءَهُ إِيَّاهُم عَلَى مَعْنَى التَّوْبِيْخِ لِمَنْ بَقيَ مِنَ الكَفَرةِ، وَعَلَى مَعْنَى شِفَاءِ صُدُوْرٍ المُؤْمِنِيْنَ).
[5] وَكَذَا كَانَ فَهْمُ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا حِيْنَ أنْكَرَتْ قَوْلَ (يَسْمَعُونَ) وَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ: (يَعْلَمُوْنَ).
[6] وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَه بِلَفْظِ (قَالُوا) بَدَلَ (قَالَ عُمَرُ). مُسْنَدُ أَحْمَد (12012).
(7) وَهَذَا العِلْمُ السَّابِقُ إِمَّا مِنْ جِهَةِ البَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ فِي أَعْرَافِ النَّاسِ وَمَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوْسِهِم، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيْعَةِ. وَهَذَا الأَخِيْرُ أَرْجَحُ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (14064) عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَيَّفُوا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ: (يَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ، يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا)، قَالَ: فَسَمِعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَقَالَ: (يَا رَسُوْلَ اللهِ أَتُنَادِيْهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ؟! وَهَلْ يَسْمَعُونَ؟ يَقُوْلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى}، فَقَالَ: (وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيْعُوْنَ أَنْ يُجِيبُوا). صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
[8] فِي التَّفْسِيْرِ (443/ 3).
(9) لَكِنَّ قَوْلَهُ (وَهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ) لَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست