اسم الکتاب : العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي المؤلف : آل فراج، مدحت الجزء : 1 صفحة : 22
عذاب من الله بكفرهم فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير اهـ.
وقال البغوي: (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم). عقوبة ونقمة (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ). من الكفر والمعصية. (فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا) هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). وجواب لولا محذوف أي: تعاجلناهم بالعقوبة. يعني: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم، وقيل: معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل اهـ.
قلت: فمن هذين النصين يعلم أن القوم قبل بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، لو عاجلهم المولى -سبحانه- العقوبة على شركهم واكتسابهم الآثام، لاحتج القوم بأنهم في زمن فترة من الرسل وأنهم ما جاءهم من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليقطع عذرهم في العذاب، ومع هذا فقد اتفق السلف على أنهم مشركون كافرون غير مسلمين إلا أنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية على خلاف بينهم في هذا الأخير.
فهؤلاء القوم كانوا في زمن فترة من الرسل. وفي جهل شديد ومع هذا كانوا مشركين.
الدليل الثالث: شرك قوم نوح، صلى الله عليه وسلم، وهو أول شرك وقع على وجه الأرض، ومن المعلوم بيقين أن آدم، عليه السلام، قد ترك ذريته على التوحيد الخالص. ثم بدأ يدب الشرك في ذريته بسنن شيطانية التي تحدث عنها حبر الأمة ابن عباس -رضي الله عنهما- فأصبحوا مشركين فبعث الله نوحاً وهو أول رسول إلى أهل الأرض بنص حديث الشفاعة الصحيح.
ومن المعلوم أيضاً أن نوحاً عليه السلام كان يخاطب قومه على أنهم: مشركون لا مسلمون.
فأين الرسول الذي أقام الحجة عليهم قبله حتى يثبت لهم وصف الشرك وحكمه؟
قال الله -تعالى-: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ). [البقرة: 213].
قال ابن كثير: قال ابن جرير ... عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.
قال: وكذلك هي قراءة عبد الله ... الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحاً، عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض اهـ.
وقال ابن تيمية: وذلك أن الناس كانوا بعد آدم، عليه السلام، وقبل نوح، عليه السلام، على التوحيد والإخلاص كما كان عليه أبوهم آدم أبو البشر، عليه السلام، حتى ابتدعوا الشرك وعبادة الأوثان -بدعة من تلقاء أنفسهم- لم ينزّل الله بها كتاباً ولا أرسل بها رسولاً. بشبهات زينها الشيطان من جهة المقاييس الفاسدة والفلسفة الحائدة. قوم منهم
اسم الکتاب : العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي المؤلف : آل فراج، مدحت الجزء : 1 صفحة : 22