والحاصل أن الكذب لا يخلو من المفاسد، ولكن إذا تعين طريقا لدفع مفسدة عظيمة - كالقتل ظلما - جاز على قاعدة تعارض المفسدتين.
والمنقول من هذا إنما هو في التورية، كقول إبراهيم لزوجته: هي أختي، لعلمه أنه لو قال "زوجتي" لقتلوه.
وقوله: {إني سقيم}، لأنه أراد أن يتوصل إلى تكسير أصنامهم، وفي ذلك دفع مفسدة عظيمة.
وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون}، لأنه أراد أن يتوصل بذلك إلى إنقاذهم من الشرك، والشرك أعظم المفاسد، مع أنهم إذا خلصوا من الشرك خلص هو من القتل. وظني أن هذه كلها كانت قبل أن ينبّأ إبراهيم عليه السلام، كما قررته في رسالة "العبادة".