كاملا في العقل والفهم والنظر حتى يدرك جميع الأحكام بنظره، واجتماع جماعة من العقلاء لوضع القوانين لا يكفي، لقصر نظرهم واحتمال ميلهم وتعصبهم، ولأن غالب القوانين تختل الحكمة المقصودة منها في كثر من الجزئيات الداخلة فيها؛ فأما القوانين الشرعية فإنها تؤمن الغلط والميل والعصبية فيها، يمتثلها المتدينون تدينا ويقبلونها طيبة أنفسهم منشرحة صدورهم؛ لأنهم يرون القبول خيرا لهم في دينهم ودنياهم، ويلزمونها غالبا بدون إلزام حاكم؛ لا فرق في ذلك بين قويهم وضعيفهم، وافية منها على الغالب بحيث يمكن تخلف الحكمة في بعض الجزئيات، فإن الله عز وجل يجبره بقدره.
والمقصود أن الخلق مفتقرون إلى تلقي الأحكام من طريق الرب عز وجل وليسوا مفتقرين إلى تلقي العلوم الطبيعية ونحوها.
وقد قيل في تفسير قول الله عز وجل: {يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}: "إن