responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 283
لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأُمَّةِ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَعْلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا أَصْلٌ مِنْ أَصُولِ الْعَقَائِدِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَثِيرٌ مِنَ الْمَقَاصِدِ. وَلِهَذَا خَلَا عَنْهَا طَائِفَةٌ مِنْ مُصَنَّفَاتِ هَذَا الشَّأْنِ، وَامْتَنَعَ مِنَ الْكَلَامِ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فِيهَا مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ بِعِلْمِهِ، لَمْ يَخْلُ كَلَامُهُ عَنْ ضَعْفٍ واضطراب. انتهى، والله الموفق للصواب.
فَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَفْضِيلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ إِبْلِيسُ وَاسْتَكْبَرَ وَقَالَ، {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [1]. قَالَ الْآخِرُونَ: إِنَّ سُجُودَ الْمَلَائِكَةِ كَانَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِمْ، وَعِبَادَةً وَانْقِيَادًا وَطَاعَةً لَهُ، وَتَكْرِيمًا لِآدَمَ وَتَعْظِيمًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَفْضَلِيَّةُ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ سُجُودِ يَعْقُوبَ لِابْنِهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ تَفْضِيلُ ابْنِهِ عَلَيْهِ، وَلَا تَفْضِيلُ الْكَعْبَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ بِسُجُودِهِمْ إِلَيْهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِمْ. وَأَمَّا امْتِنَاعُ إِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ عَارَضَ النَّصَّ بِرَأْيِهِ وَقِيَاسِهِ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ الصُّغْرَى، وَالْكُبْرَى مَحْذُوفَةٌ، تَقْدِيرُهَا: وَالْفَاضِلُ لَا يَسْجُدُ لِلْمَفْضُولِ! وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ فَاسِدَةٌ: أَمَّا الْأُولَى: فَإِنَّ التُّرَابَ يَفُوقُ النَّارَ فِي أَكْثَرِ صِفَاتِهِ، وَلِهَذَا خَانَ إِبْلِيسَ عُنْصُرُهُ، فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ، فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِ النَّارِ طَلَبَ الْعُلُوِّ وَالْخِفَّةَ وَالطَّيْشَ وَالرُّعُونَةَ، وَإِفْسَادَ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ وَمَحْقَهُ وَإِهْلَاكَهُ وَإِحْرَاقَهُ، وَنَفَعَ آدَمَ عُنْصُرُهُ، فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِكَانَةِ، وَالِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالِاعْتِرَافِ وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِ التُّرَابِ الثَّبَاتَ وَالسُّكُونَ وَالرَّصَانَةَ، وَالتَّوَاضُعَ وَالْخُضُوعَ وَالْخُشُوعَ وَالتَّذَلُّلَ، وَمَا دَنَا مِنْهُ يَنْبُتُ وَيَزْكُو، وَيَنْمِي وَيُبَارَكُ فِيهِ، ضِدَّ النَّارِ.
وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ: أَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَسْجُدُ لِلْمَفْضُولِ - فَبَاطِلَةٌ، فَإِنَّ السُّجُودَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ، وَلَوْ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أن يسجدوا لحجر لوجب عليهم الامتثال

[1] سورة الإسراء آية 62.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 283
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست