responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 222
{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [1]، وَقَالَ لِيَعْقُوبَ بَنُوهُ: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [2]، وَإِنْ كَانَ الْآبَاءُ مُخَالِفِينَ الرُّسُلَ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الرُّسُلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} الْآيَةَ [3].
فَمَنِ اتَّبَعَ دِينَ آبَائِهِ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ، بَلْ يَعْدِلُ عَنِ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ إِلَيْهِ، فَهَذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [4].
وَهَذِهِ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، يَتْبَعُ أَحَدُهُمْ أَبَاهُ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنِ اعْتِقَادٍ وَمَذْهَبٍ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَيْسَ هُوَ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، بَلْ هُوَ مِنْ مُسْلِمَةِ الدَّارِ، لَا مُسْلِمَةِ الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ لَهُ فِي قَبْرِهِ: مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ؟ هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ.
فَلْيَتَأَمَّلِ اللَّبِيبُ هَذَا الْمَحِلَّ، وَلْيَنْصَحْ نَفْسَهُ، وَلْيَقُمْ مَعَهُ، وَلْيَنْظُرْ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ؟ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، فَإِنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ. وَأَقْرَبُ مَا يَنْظُرُ فِيهِ الْمَرْءُ أَمْرُ نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ نُطْفَةً، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، وَالتَّرَائِبُ [5]: عِظَامُ الصَّدْرِ، ثُمَّ صَارَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، وَانْقَطَعَ عَنْهَا تَدْبِيرُ الْأَبَوَيْنِ وَسَائِرِ الْخَلَائِقِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً عَلَى لَوْحٍ أَوْ طَبَقٍ، وَاجْتَمَعَ حُكَمَاءُ الْعَالَمِ عَلَى أَنْ يُصَوِّرُوا مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَقْدِرُوا. وَمُحَالٌ تَوَهُّمُ عَمَلِ الطَّبَائِعِ فِيهَا، لِأَنَّهَا مَوَاتٌ عَاجِزَةٌ، وَلَا تُوصَفُ بِحَيَاةٍ، وَلَنْ يَتَأَتَّى مِنَ الْمَوَاتِ فِعْلٌ وَتَدْبِيرٌ، فَإِذَا تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ

[1] سورة يُوسُفَ آية 38.
[2] سورة الْبَقَرَةِ آية 133.
[3] سورة الْعَنْكَبُوتِ آية 8.
[4] سورة الْبَقَرَةِ آية 170
[5] الزيادة لم تذكر في المطبوعة. وهي ضرورية لصحة الكلام.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 222
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست