responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 111
لِلصِّنَاعَاتِ وَالْمَقَالَاتِ، كَمَنْ يَدَّعِي الْفِلَاحَةَ وَالنِّسَاجَةَ وَالْكِتَابَةَ، وَعِلْمَ النَّحْوِ وَالطِّبِّ وَالْفِقْهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَالنُّبُوَّةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عُلُومٍ وَأَعْمَالٍ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ الرَّسُولُ بِهَا، وَهِيَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَشْرَفُ الْأَعْمَالِ. فَكَيْفَ يَشْتَبِهُ الصَّادِقُ فِيهَا بِالْكَاذِبِ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ: قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ الْقَرَائِنِ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ، كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ رِضَى الرَّجُلِ وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ وَفَرَحَهُ وَحُزْنَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا فِي نَفْسِهِ، بِأُمُورٍ تَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ، قَدْ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [1] ثُمَّ قَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}. وَقَدْ قِيلَ: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ.
فَإِذَا كَانَ صِدْقُ الْمُخْبِرِ وَكَذِبُهُ يُعْلَمُ بِمَا يَقْتَرِنُ مِنَ الْقَرَائِنِ، فَكَيْفَ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، كَيْفَ يَخْفَى صِدْقُ هَذَا مِنْ كَذِبِهِ؟ وَكَيْفَ لَا يَتَمَيَّزُ الصَّادِقُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَاذِبِ بِوُجُوهٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ؟
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَعْلَمُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الصَّادِقُ الْبَارُّ، قَالَ لَهَا لَمَّا جَاءَهُ الْوَحْيُ: «إِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي [2]، فَقَالَتْ: كَلَّا - وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقِرِّي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ». فَهُوَ لَمْ يَخَفْ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ، فَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَإِنَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لَهُ عَارِضُ سُوءٍ، وَهُوَ الْمَقَامُ الثَّانِي، فَذَكَرَتْ خَدِيجَةُ مَا يَنْفِي هَذَا، وَهُوَ مَا كَانَ مَجْبُولًا عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ

[1] سُورَةُ مُحَمَّدٍ آيَة 30.
[2] في المطبوعة «على عقلي»! وهو خطأ فاحش، لعله من الناسخ، بل هو كلام غير معقول، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا. بل إن بعض العلماء فسر خشيته على نفسه، في هذا الحديث، بأنه خشي الجنون! واستنكره الحافظ في الفتح 1: 23، قال وأبطله أبو بكر بن العربي، وحق له أن يبطل «.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست