responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 95
{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فُصِّلَتْ: 53]. أَيِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سورة فُصِّلَتْ: 52] , ثُمَّ قَالَ: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة فُصِّلَتْ: 53] , فَشَهِدَ سُبْحَانَهُ لِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ أَنَّ مَا جاء به حق، ووعد أنه يُرِيَ الْعِبَادَ مِنْ آيَاتِهِ الْفِعْلِيَّةِ الْخَلْقِيَّةِ مَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ أَيْضًا, ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَجَلُّ، وَهُوَ شَهَادَتُهُ سُبْحَانَهُ [بِأَنَّهُ] عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، فَإِنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ الشَّهِيدَ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ، بَلْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُشَاهِدٌ لَهُ، عَلِيمٌ بِتَفَاصِيلِهِ, وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ اسْتِدْلَالٌ بِقَوْلِهِ وكلماته، واستدلاله بِالْآيَاتِ الْأُفُقِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ اسْتِدْلَالٌ بِأَفْعَالِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ لَا يُعْهَدُ فِي الِاصْطِلَاحِ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الله تعالى قد أودع في الفطرة الَّتِي لَمْ تَتَنَجَّسْ بِالْجُحُودِ وَالتَّعْطِيلِ، وَلَا بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ، أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَامِلُ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رُسُلُهُ، وَمَا خَفِيَ عَنِ الْخَلْقِ مِنْ كماله أعظم وأعظم مما يعرفونه مِنْهُ. وَمِنْ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ شَهَادَتُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَاطِّلَاعُهُ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ ذرة في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا, وَمَنْ هَذَا شَأْنُهُ كَيْفَ يَلِيقُ بِالْعِبَادِ أَنْ يُشْرِكُوا بِهِ، وَأَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَهُ وَيَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ؟ وَكَيْفَ يَلِيقُ بِكَمَالِهِ أَنْ يُقِرَّ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيْهِ أَعْظَمَ الْكَذِبِ، وَيُخْبِرَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا الْأَمْرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْصُرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُؤَيِّدَهُ وَيُعْلِيَ شَأْنَهُ وَيُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَيُهْلِكَ عَدُوَّهُ، وَيُظْهِرَ على دينه مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ مَا يَعْجِزُ عَنْ مَثَلِهِ قوى البشر، وهو مع ذلك كاذب غير مُفْتَرٍ؟!
وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَتَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَقُدْرَتَهُ وَحِكْمَتَهُ وَعِزَّتَهُ وَكَمَالَهُ الْمُقَدَّسَ يَأْبَى ذَلِكَ, وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَهِيَ طَرِيقُ الْخَوَاصِّ، يَسْتَدِلُّونَ بِاللَّهِ عَلَى أفعاله وما يليق به أن يفعل [وَلَا يَفْعَلُهُ]، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ,

اسم الکتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام المؤلف : ابن أبي العز    الجزء : 1  صفحة : 95
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست